منذ قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1980 والهدف الرئيس له هو حماية شعوب دول مجلس التعاون الخليجي من التطورات السياسية والعسكرية التي تحدث في المنطقة، فالخليج العربي - ومنذ بداية السبعينات وبسبب ارتفاع أسعار النفط، والطلب المتزايد عليه - أصبح محط أنظار الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، إذ تعتمد صناعتها على نفط الخليج الذي أعطى دوله - بحسب تقرير حديث - المرتبة الأولى عالمياً في حجم الفائض في الميزان التجاري الذي بلغ 502 بليون دولار في عام 2012، فيما تمتلك هذه الدول ثلث الاحتياط العالمي من النفط، وأكثر من خُمس الاحتياط العالمي من الغاز، وبذلك احتلت المرتبة الأولى عالمياً في احتياط النفط، والمرتبة الثانية في احتياطي الغاز، وهو ما مكّنها من احتلال المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج النفط، إذ بلغ إنتاجها 20 في المئة من الإنتاج العالمي لعام 2013، وجاءت في المرتبة الثالثة عالمياً في إنتاج الغاز، إذ بلغ إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال 370 بليون مترمكعب، ويُشكل احتياطها 52 في المئة من إجمالي الاحتياطات النفطية لـ«أوبك» وإنتاجها يشكل 49 في المئة من إجمالي إنتاج دول المنظمة من النفط الخام، كما تمثل صادراتها من النفط من إنتاج دول «أوبك» أكثر من 50 في المئة، وهو ما يجعلها القوة الرئيسة المتحكمة في منظمة أوبك إنتاجاً وتصديراً، ولذلك يأتي الاهتمام في منطقة الخليج من هذا الباب، وهو ما جعل دول الخليج العربي (السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان) تتفق على إنشاء منظومة سياسية، لحفظ الاستقرار في هذه الدول، وهو ما تم من خلال إنشاء مجلس التعاون الخليجي، الذي رأت فيه الشعوب الخليجية اللبنة الأولى لتأسيس اتحاد خليجي متكامل، يكون مظلة سياسية يحميها من الأخطار الخارجية، ويكون طريقاً للتكامل السياسي والاقتصادي والعسكري لهذه الدول.
اتسمت المواقف السياسية الخليجية بالتوافق والاتفاق والثبات على معظم القضايا العربية والدولية، ولاسيما بعد موقف مجلس التعاون الخليجي الحازم من غزو العراق للكويت، لتصبح المواقف الخليجية متفقاً عليها من دوله، ومن خلال الأمانة العامة للمجلس، فأعطى زخماً وقوةً لمواقفها، لقوتها الاقتصادية والسياسية واتفاقها في المواقف ذات الاهتمام المشترك، إذ أصبحت أحد العوامل المؤثرة في قرارات عربية، بسبب وحدة قراراتها وتوحد رؤى دولها، حتى إنه بات يُحسب له حساب في المواقف العربية والإقليمية، فنرى مسؤولين من العالم يتوجهون إلى العواصم الخليجية ولقاء مسؤوليها، لما تمثله من ثقل اقتصادي واستقرار سياسي. لكن ظهرت في الأعوام الأخيرة تباينات عدة بين دول المجلس حول بعض القضايا السياسية، كالعلاقات مع إيران وغيرها من الدول الإقليمية الأخرى، لكنها لم تصل إلى درجة تهديد وحدة المجلس أو استقرار دوله وشعوبه، لكنها اتضحت في شكل واضح خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولاسيما الاختلاف في المواقف تجاه بعض المنظمات المحلية والإقليمية، وكذلك حول العلاقات مع بعض الدول الإقليمية.
إن أحد أهم بنود ميثاق مجلس التعاون الخليجي هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فالسماح لبعض المحرضين من هنا وهناك هو تدخل، ولاسيما عندما تُذكَر أسماء دول أو مسؤولين في هذه الدول، سواء أكانت ضمن دول مجلس التعاون الخليجي أم دول شقيقة، لذلك لا بد لدول التعاون من احترام ميثاق المجلس والالتزام به، لأنه ينظم العلاقات بين دول المجلس وكذلك مع الدول الشقيقة أو الصديقة الأخرى، لذلك جاءت الخلافات بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى حول هذا الموضوع.
ستُعقد القمة العربية في دولة الكويت هذا الشهر، ولذلك لا تريد الكويت أن تعقد هذه القمة والخلافات تدب في دول مجلس التعاون الخليجي، وتقوم الكويت بوساطة بين دول مجلس التعاون، لعلها تستطيع رأب الصدع، وقد حاولتْ في السابق تقيب وجهات النظر بين الأطراف الخليجية، لكن الجانب القطري لم يلتزم بتعهداته، وتاريخ الكويت مشهود له بالديبلوماسية الهادئة، ولاسيما أن أميرها الحالي كان أقدم وزير خارجية عربي، إذ عاصر معظم المشكلات العربية والإقليمية التي تعرضت لها المنطقة، وأسهم في حلول كثير منها، وبخاصة الخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي، ولذلك يعتقد مراقبون بأن الوساطة الكويتية بين السعودية وقطر قائمة بكل حال، فالكويت حريصة على انعقاد القمة العربية ونجاحها في هذا الوقت التي يشهد العالم العربي فيه تشرذماً كبيراً بين دوله، فتسعى جاهدة لتكون قمة الكويت العربية انطلاقة خليجية جديدة، لتنعكس إيجاباً على الوضع العربي.
التعاون مطلوب، ولكن الوحدة والاتحاد هو الأمثل بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فالمطلوب هو عدم الوصول إلى الخلافات الخليجية إلى الدرجة التي تؤدي إلى هدم ما بُنِيَ في أعوام، لذلك لا بد من مراجعة للذات بالنسبة إلى قطر. فهل يعقل أن تكون جميع دول مجلس التعاون على خطأ؟ ولذلك لا بد من العودة إلى نظام المجلس والالتزام به واتخاذ القرارات، بناءً على ذلك النظام، من خلال التصويت والإيمان واحترام رأي الغالبية، وهو ما نشاهده في دول الاتحاد الأوروبي في خلافاتها، ففي حال الخلافات تعود إلى نظام الاتحاد، ولا تؤثر هذه الخلافات في العلاقات الاستراتيجية بين دول الاتحاد، لذلك أعتقد بأن قطر ملزمة بالنظر في المصلحة العامة لدول المجلس وشعوبه، فالجميع يعرف أن منطقة الخليج مستهدفة، ويتربص الأعداء بها.
لا تريد الشعوب الخليجية والعربية أن تنتهي حال المجلس، كحال جامعة الدول العربية، وتصبح الخلافات هي السمة الطاغية على لقاءات أعضائه، وينتهي بما انتهت إليه جامعة الدول العربية، بعدم الفاعلية، وهو الذي كانت شعوب دول المجلس تطمح لأن يكون وعاء لقيام اتحاد خليجي متكامل، يحفظ لهذه الشعوب مستقبلها واستقرارها.