جاءت ردود الفعل الخليجية على التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والتي اتهم فيها السعودية وقطر بدعم الإرهاب وتمويله، ردوداً قويّة، حيث استنكر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني هذه الادعاءات ووصفها بأنها عدائية وباطلة وأكد بأن دول الخليج هي من أوائل الدول التي تضررت من الأعمال الإرهابية. كما استنكرت دولة الإمارات والبحرين هذه التصريحات، حيث استدعت وزارة الخارجية الإماراتية السفير العراقي وسلمته مذكرة احتجاج، ووصفت البحرين تلك التصريحات بأنها غير مسؤولة وتتنافى مع مبادئ الأخوة والجوار.
لكن لماذا اتهم المالكي دول الخليج بدعم الإرهاب في الوقت الحالي تحديداً؟ وما هي مبرراته للهجوم على قطر والسعودية، خصوصاً أن الأخيرة اتخذت قرارات تاريخية قويّة مثل تجريم المنظمات الإسلامية المتطرفة، والتي تشمل «داعش» و«النصرة» و«حزب الله» و«الإخوان المسلمين» وغيرها من التنظيمات السياسية الإسلامية؟
من الواضح جداً أن المالكي أطلق اتهاماته ضد الدول الخليجية في محاولة لتبرير فشله في الحل الأمني ضد السنّة في الأنبار من خلال ادعائه بأن السعودية ترسل السلاح والمال إلى المتمردين!
لكن غاب عن رئيس الوزراء العراقي أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، تطارد الإرهابيين منذ عدة سنوات وقبل وصول المالكي للحكم على ظهر الدبابات الأميركية. صحيح أن هناك إرهابيين وجهاديين في الخليج وهؤلاء يعملون مع تنظيم «القاعدة» وغيره، وقد لاحقتهم السعودية، مما دفع بهم لتفجير عدة أماكن في المملكة.
المالكي ومن خلفه إيران هما اللذان يدعمان المليشيات الشيعية ويبعثان عناصرهما للقتال في سوريا تحت شعار الدفاع عن المقدسات الشيعية، ومنها مقام السيدة زينب! ومن المليشيات التي تحارب «الجيش الحر» في سوريا وتدعم النظام السوري في حربه المجنونة ضد شعبه، ميلشيات «عصائب الحق» و«أبو الفضل العباس» و«ذو الفقار».
لقد فشل المالكي في توطيد حكمه بعد ثماني سنوات من حكم العراق، حيث تفشى في هذا البلد العربي النفطي الفسادُ والخرابُ والتهجيرُ والقتلُ والإرهابُ باسم الطائفية البغيضة، وقد تبلور هذا الإخفاق في فشل كل المحاولات الجادة لتحقيق الوحدة الوطنية. القادة العراقيون يتبادلون الاتهامات؛ فرئيس الوزراء الإقصائي يتهم رئيس البرلمان، كما اتهم شريكه السابق في الائتلاف الشيعي مقتدى الصدر بعدم الفهم، ونال الانتقاد رئيس إقليم شمال العراق مسعود برزاني.
لقد فشل المالكي، الطائفي حتى النخاع، لكنه يصر على تفرد الشيعة بالحكم والقيادة، ولا يفهم بأن تحقيق التكامل الوطني بين الفئات والجماعات والقوميات المختلفة عنصر قوة، وهو السبب الرئيسي لنجاح التجربة الأميركية حيث تم انصهار الجنسيات المختلفة في دولة علمانية قوية عمادها القانون والعدالة والمساواة تحت راية الدستور حيث يحترم الجميع الديمقراطية والحريات.
نتمنى على رئيس الوزراء العراقي الاستفادة مما يحصل في الوطن العربي، حيث لا تدوم الأنظمة الاستبدادية طويلا، وحيث لم تعد الشعوب تكترث بالشعارات الدينية التي ترفعها الأحزاب الإسلامية. لينظر المالكي ما ذا حصل في السودان الذي تمزق إلى سودانين، وسوريا التي دخلت حالة الحرب وهي على وشك التفكك، واليمن الذي يتمزق إلى شمال وجنوب، وليبيا التي طالتها الفوضى والانهيار.. والعراق نفسه الذي أصبح عاجزاً عن تحقيق دولته السابقة على الاحتلال الأميركي. لقد بقيت دول الخليج تحاول لم الشمل العربي، رغم كل الاتهامات.