أحدث الأخبار
  • 12:45 . تقرير إيراني يتحدث عن تعاون عسكري "إماراتي–إسرائيلي" خلال حرب غزة... المزيد
  • 12:32 . أبوظبي تُشدّد الرقابة على الممارسات البيطرية بقرار تنظيمي جديد... المزيد
  • 12:25 . الغارديان: حشود عسكرية مدعومة سعوديًا على حدود اليمن تُنذر بصدام مع الانفصاليين... المزيد
  • 12:24 . منخفض جوي وأمطار غزيرة تضرب الدولة.. والجهات الحكومية ترفع الجاهزية... المزيد
  • 12:19 . إيران تعدم رجلا متهما بالتجسس لصالح "إسرائيل"... المزيد
  • 10:59 . أمريكا تنفذ ضربات واسعة النطاق على تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا... المزيد
  • 09:21 . الاتحاد العالمي لمتضرري الإمارات... المزيد
  • 06:52 . السعودية تنفذ حكم القتل لمدان يمني متهم بقتل قائد التحالف بحضرموت... المزيد
  • 06:51 . بين توحيد الرسالة وتشديد الرقابة.. كيف ينعكس إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام على حرية الصحافة في الإمارات؟... المزيد
  • 06:41 . أمير قطر: كأس العرب جسّدت قيم الأخوّة والاحترام بين العرب... المزيد
  • 11:33 . "رويترز": اجتماع رفيع في باريس لبحث نزع سلاح "حزب الله"... المزيد
  • 11:32 . ترامب يلغي رسميا عقوبات "قيصر" على سوريا... المزيد
  • 11:32 . بعد تغيير موعد صلاة الجمعة.. تعديل دوام المدارس الخاصة في دبي... المزيد
  • 11:31 . "فيفا" يقر اقتسام الميدالية البرونزية في كأس العرب 2025 بين منتخبنا الوطني والسعودية... المزيد
  • 11:29 . اعتماد العمل عن بُعد لموظفي حكومة دبي الجمعة بسبب الأحوال الجوية... المزيد
  • 08:14 . قانون اتحادي بإنشاء هيئة إعلامية جديدة تحل محل ثلاث مؤسسات بينها "مجلس الإمارات للإعلام"... المزيد

عندما تهيمن الأنا الدنيا على العقل العربي

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 20-10-2017

في عشرينيات القرن العشرين قسم مؤسس علم النفس الحديث، فرويد، العقل البشري إلى ثلاثة مستويات: العقل أو أنا الأدنى (iD)، والعقل الأعلى (Superego)، وبينهما العقل أو أنا الوسط المنسق في ما بين الاثنين EGo)).
وكمحاولة للتعريف المنطقي والسلوكي لتلك المستويات في الذات البشرية عرفت الأنا الدنيا بأنها، مصدر للغرائز البدائية المدمنة على والمنغمسة في الملذات والتجريب الدائم، والخازنة لكل تلك المشاعر الغريزية في مستوى اللاوعي.
أما الأنا العليا فهي ذلك القسم من الذات المتصفة بالحكمة والعقلانية وبالطهارة الأخلاقية، والمتمسكة بالقيم العليا، والمؤمنة بأهمية ثقافة وعادات مجتمعها، والعاملة على مستوى الوعي الكامل. أما الأنا الوسطية فهي التي تحاول، ناجحة أحيانا وفاشلة أحيانا أخرى، إيجاد توازن وعلاقات سلام بين الأنا العليا والأنا الدنيا.
مع الوقت تبين أن ذلك التقسيم النفسي لا ينطبق على الفرد فقط، كما كانت مدرسة فرويد تظن في البداية، وإنما ينطبق أيضا على المجتمعات ومختلف التجمعات الإنسانية.
مناسبة الإتيان بذكر تلك النظرية النفسية، التي تطورت تفاصيلها مع مرور الزمن وقيام مدارس نفسية جديدة، هي محاولة فهم الوضع النفسي والسلوكي الحاضر للمجتمعات العربية. الدلائل تشير إلى هيمنة تامة للأنا المجتمعية العربية الدنيا، وإلى تراجع وضمور للأنا المجتمعية العربية العليا، الأمر الذي أدى إلى جمود الذات العربية وعجزها أمام ما تواجه الآن من مصائب ومؤامرات وأخطار خارجية وداخلية. ولعل من أهم الحقول العربية التي تعيش تلك المحنة هو الحقل السياسي العربي الجمعي المشترك. إذ يلحظ الإنسان غياب الأنا العليا، الحكيمة الأخلاقية القيمية الملتزمة بحماية مجتمعاتها، في مواجهة كل القضايا القومية المشتركة. سنتجنب الحديث عن القضايا الوطنية المحلية، التي هي موضوع بالغ التعقيد ومبرز لألف ألف ضعف وجنون. لنتذكر بعض الأمثلة التي تدل على تعامل بدائي مدمر للذات والمصلحة العربية العليا.
أول مثال ما حدث في معارك انتخاب رئيس لمنظمة اليونسكو. لقد كان هناك شبه إجماع بين الدول على وصول دور الكتلة العربية لاستلام رئاسة المنظمة، بعد أن استلمت الرئاسة مختلف الكتل الأخرى عبر العقود الماضية. وفي الواقع فإن ذلك الشعور بحق العرب في استلام الرئاسة جرى الحديث عنه منذ ربع قرن. لكن في كل دورة انتخابات جديدة كان التمزق العربي أو الخلافات العربية أو التنافس الطفولي البليد يؤدي إلى فشل الكتلة العربية في إنجاح مرشحيها، نعم، مرشحيها، وليس مرشحها. وبالطبع كان آخرها ترشيح ثلاثة مرشحين عرب، من بين ستة مرشحين، في انتخابات الدورة الأخيرة منذ حوالي أسبوعين. ويعلم الجميع أنه لو وجد منذ البداية مرشح عربي واحد، ولم تدخل الدول العربية مماحكاتها في داخل اليونسكو، لفاز العرب في الحصول على حقهم التاريخي.
يسأل الإنسان نفسه ألف مرة:
أما كان المنطق والحكمة والمصلحة القومية العليا، أي الأنا العليا العربية، تحتم بحث الأمر في الجامعة العربية أو المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، والاتفاق على مرشح واحد، الأكثر حظا في الفوز؟ لكن كيف تعمل الأنا العليا إذا كانت الأنا الدنيا، الأنانية المنغلقة النرجسية، والعبثية، والغريزية، واللاعقلانية واللاأخلاقية، هي التي تحكم المشهد السياسي العربي العام؟
ثاني مثال هو موضوع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية من اليونسكو، وبالسخف والاحتقار للمنظمات الدولية التي تحترم نفسها. إن انسحابها في هذه المرة هو عدوان سافر على موضوع يخص العرب في الدرجة الأولى. فتأكيد اليونسكو على رفض ادعاءات صهيونية بحقوق تاريخية ودينية أسطورية كاذبة في نسب بعض الآثار التاريخية الفلسطينية للتاريخ اليهودي المزعوم، كان صفعة وتأديبا للقوى الصهيونية التي تصر على الكذب الدائم المتنامي في حقول التاريخ والدين وامتلاك الأرض الفلسطينية. وهو بالتالي موقف شريف متوازن موضوعي مع حقوق الشعب الفلسطيني وعروبة فلسطين التاريخية.
من هنا، ألم يكن من واجب العرب، عن طريق كل التجمعات السياسية والثقافية العربية والإسلامية، التنديد بالموقف الأمريكي اللاأخلاقي المنحاز للكذب والتلفيق التاريخي؟ مرة أخرى ضحت الأنا العربية الدنيا بالمصلحة العربية العليا في غياب الأنا العربية العليا المفجع. يستطيع أن يذكر الإنسان عشرات الأمثلة الأخرى في ساحات المسيرات السياسية العربية المظلمة في شتى الأقطار العربية، من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق: أمثلة أدت إلى دمار العمران والبشر والحضارة، وذلك بسبب غياب الأنا العربية العليا المشتركة للأمة العربية جمعاء، بل استطاعت الغرائز الطائفية المجنونة والصراعات المتنافسة العبثية المكبوتة في اللاوعي الجمعي العربي أن تجعل من العدو الصهيوني صديقا حميما، ومن الروابط القومية والإسلامية إربا ملوثة، ومن الخلافات الفرعية أولويات كبرى، ومن الولايات المتحدة الأمريكية، التي عاثت في أرض العرب فسادا وتدميرا واحتلالا، صديقا يحتفى به ويطلب وده ويصفق لكل كلمة وخطاب يتلفظ بهما رئيسها النرجسي الجاهل، حسب وصف كتاب كتبه سبعة وعشرون من علماء النفس الأمريكيين عن رئيسهم.
وفي خضم ذلك الجنون السياسي فشلت الأنا العربية الوسطى في إيجاد توازن وتفاهم بين اللاوعي العربي المريض والوعي العربي الغائب.
نحن أمام محنة نفسية عربية لم ير مثيلها التاريخ العربي كله.