نحن نؤمن بالحرية، ومنها اعتناق الآراء والتعبير عنها دون تدخل، كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1969). وتضمن هاتان الوثيقتان حقوق الإنسان في التعبير والتظاهر السلمي. كما نؤمن بأن القوانين الأوروبية تعطي الناس الحق في التعبير والتظاهر.. لكن فقط إن كان التعبير من أجل كرامة الإنسان وحقوقه المُنتهكة، أو من أجل حماية المرأة أو الطفل، أو لوقف الحروب وصناعة القنابل والأسلحة الفتاكة، أو من أجل حماية الكون من الكوارث والاستخدامات الضارة للطاقة.لكن الإشكالية أن بعض المسلمين المتطرفين يتظاهرون في العواصم الأوروبية لمساندة القتلة والمجرمين، ويرفعون رايات «داعش» فوق التراب الوطني لتلك البلدان، في تحدٍ لمشاعر أهل البلاد الأصليين، والذين لديهم ثقافة تختلف عن ثقافة «الغوغاء»!
ولكم شاهدنا من مقاطع تقشعر لها الأبدان، ونحر للأبرياء بطريقة همجية لا يقرها الإسلام ولا الأخلاق، ونشر ذلك بطريقة تثير الرعب والهلع، دونما اعتبار لحرمة الميت! كما شاهدنا بعض المقاطع فيها تمثيل ولعب بالرؤوس المقطوعة. فهل يعقل ألّا تصل هذه الرسائل إلى الجمهور الغربي؟ وإذا ما قامت مظاهرة في تلك الأصقاع، تؤيد من يقوم بتلك الأعمال الوحشية، هل المطلوب من أهل البلاد التعاطف مع المظاهرة وتأييدها باعتبارها حقاً في حرية التعبير؟
الجماعات المتطرفة أساءت إلى الإسلام والعرب إساءة كبيرة، وظهور تنظيم «داعش» وما أحدثه من قتل وأثاره من تهديد، هو ما استدعى قيام تحالف دولي وبتكاليف باهظة لمحاربته. لقد نشرت مواقع إلكترونية أرقاماً ضخمة حول تكاليف الحرب على «داعش»، ومنها موقع (Politic 4/10/2014) الذي قدّر تلك التكاليف سنوياً بما يتراوح بين 15 و20 مليار دولار، وقدّر «جون آدامز»، أستاذ السياسة الخارجية في الجامعة الأميركية، أن تكاليف الحرب شهرياً قد تصل 416 مليون دولار. وحسب (The Fiscal Times– 10/10/2014)، فإن الإدارة الأميركية استعدت لتنفيذ الهجمات مع حلفائها بما قيمته 30 إلى 40 مليار دولار سنوياً.
بعض العقلاء يتساءلون: هل من الممكن «إهدار» كل هذه الأموال من أجل «عيون» أمن البلاد العربية؟
ندرك أن الدول العربية سوف تتحمل نصيبها من تمويل الحرب على «داعش»، لكن ماذا يعني هذا؟ أهو استنزاف للموارد الخليجية؟
الإنسان العربي محتار ومندهش. وإذا كان أهل «داعش» قد لملموا صفوفهم خلال 11 عاماً الماضية بعد سقوط صدام حسين، وأصبحوا يرفعون لواء السُنّة ضد غيرهم، وهم أحياناً لا يفرقون في قتلهم بين سني وغيره.. فأين عامل الوطن الواحد، وشعارات الدولة المدنية العلمانية.. كما تعلّمها الضباط البعثيون في صفوفهم منذ أوائل الأربعينيات حيث تم تأسيس حزب «البعث» العربي تحت شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»؟
يبدو أن الأمر قد اختلط على الداعشيين، فنسوا الأمة الخالدة وأهلها الذين يفترض أن يكونوا خالدين ومكرمين، ونسوا أن الشعوب العربية لها كرامة، فلجأوا إلى العنف لإقامة نظام جديد لا يؤمن بالحياة، ولا بالعلم ولا بالعقل! فأي دولة ستقوم إن كان البطش والنحر والعنف وجماجم الأبرياء أسوارها، ومعاداة العالم دستورها؟!
