نشر موقع “ناشونال إنترست” مقالا لنائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إيلان بيرمان، وجاكوب ماكارتي الباحث في المجلس، حللا فيه النشاط السعودي في أفريقيا واهتمام المملكة الواضح في القارة، والذي لم يعد من أجل توفير الأمن الغذائي فقط، بل لمصالح أمنية ضمن عدد من المتنافسين على القارة.
وأشار الكاتبان اللذان زارا السعودية في فبراير ضمن وفد بحثي بدعوة من وزارة الخارجية السعودية إلى معاهدة دول البحر الأحمر التي وقعت في يناير، وشاركت فيها مصر وإريتريا والسودان وجيبوتي من الجانب الأفريقي، والسعودية والأردن واليمن من الجانب الآسيوي. وكان التوقيع تتمة لعمل ثلاثة أعوام ترى السعودية أنه سيكون بداية نظام عمل لحوض البحر الأحمر وأمنه.
ويقول الكاتبان إن المعاهدة تعتبر مهمة للسعودية الراغبة بتطوير السياحة والتجارة على طول مياه البحر ضمن رؤية 2030 وتنويع الاقتصاد السعودي، وتعزيز الأمن في منطقة تعبر منها نسبة 13% من التجارة العالمية. ويمكن أن توسع وتربط بالبحر الأبيض المتوسط بطريقة تنفع كل الدول المحيطة به.
ولكن معاهدة البحر الأحمر هي جزء من استراتيجية لانخراط سعودي في القارة التي يعتبرها المسؤولون مرتبطة باقتصاد وأمن السعودية التي زادت خلال السنوات الماضية من استثماراتها فيها، وبحلول عام 2018 كانت السعودية خامس دولة أجنبية من ناحية الاستثمار في أفريقيا، بمشاريع استثمارية بقيمة 4 مليارات دولار.
وأدى الاهتمام السعودي المتأخر بالقارة إلى مشاركة في شؤونها من ناحية الطاقة في جنوب أفريقيا إلى الدفاع في السودان. ويرى الباحثان أن المشاركة السعودية تدفعها الاحتياجات المحلية، فالقارة مهمة لاقتصاد المملكة التي تعتمد على الاستيراد لتوفير المواد الغذائية لسكانها. وحاولت الرياض التخفيف من حدة التبعية هذه عبر استثمارات واسعة في شرق أفريقيا كجزء من مبادرة الأمن الغذائي.
وقامت بشراء آلاف الهكتارات من الأراضي الأفريقية وحاولت زراعتها. ولكن الاحتياجات متزايدة، فعدد سكان المملكة حاليا هو 32 مليون نسمة ومن المتوقع أن يصل عام 2050 إلى 45 مليون نسمة، وهذا النمو يعني زيادة في الطلب على الغذاء. وتمثل القارة بأراضيها الصالحة للزراعة والخصبة الجواب لمواجهة النمو المتوقع. وتستطيع دولة أوغندا إطعام مئتي مليون نسمة أي أربعة أضعاف عدد سكان المملكة. كل هذا يجعل من أوغندا ودول الساحل الأفريقي حلفاء مهمين للمملكة.
لكن البعد الاقتصادي ليس السبب الأهم وراء تحول السعودية للحصول على دور في أفريقيا، فهناك الأمن، فوجودها في القارة يعتبر رادعا ضد التهديدات الأمنية التي تواجهها. ومن بين الدوافع التي أدت لتوقيع معاهدة البحر الأحمر هي محاربة القرصنة البحرية، مما يساعد على حماية المناطق الشرقية من المملكة.
إلا أن السعودية باتت تنظر إلى القارة من خلال التنافس الإقليمي عليها وتحاول اللحاق بالذين سبقوها من المنافسين لها. فقبل 3 أعوام تم الكشف عن محاولة الحرس الثوري تهريب سلاح إلى الحوثيين عبر الصومال. ومنذ ذلك الوقت عملت الرياض ما بوسعها لتقوية العلاقات مع حكومة الرئيس محمد فرماجو وجلبه إلى فلكها وإبعاده عن منافسيها الأتراك والقطريين الذين أقاموا علاقات قوية وتأثيرا في شرق أفريقيا.
ولعبت المملكة كذلك دورا في تقريب العلاقات كما في عام 2018 عندما أقنعت إثيوبيا وإريتريا بوقف إطلاق النار. كما ساعد تدفق المساعدات السعودية إلى إريتريا والسودان وجمهورية أرض الصومال وجيبوتي لتحويل السياسة بالمنطقة تجاه السعودية وتعبيد الطريق لموقف متعاطف بين دول أفريقيا تجاه المملكة والحرب التي شنتها في اليمن.
ويأتي التحول باتجاه أفريقيا في ظل تغيرات داخل المملكة من ناحية تنويع الاقتصاد وتخفيف القيود الاجتماعية وزيادة التوقعات من مواطنيها الشباب. وعلى المستوى الخارجي فهي متورطة في حرب دموية باليمن، وتنافس استراتيجي مع إيران وحرب أيديولوجية- ثقافية مع منافستها قطر.
لكل هذا يرى الباحثان أن التوجه نحو أفريقيا يمثل نقطة برّاقة للمملكة وسط هذه التحديات.