ها هو يطل مجددا اليوم الوطني للاتحاد في الثاني من ديسمبر كما كل عام، في ذكراه الخامسة والأربعين. ولعل مختلف الشعوب عندما تحتفل بأعيادها الوطنية تسرد عددا لا متناهيا من أحداثها ووقائعها التاريخية، غير أن الإماراتيين يضيفون سردية أخرى وإصرارا أشد على التطلع للمستقبل أيضا. فما هي أبرز الوقفات الوطنية التي يمكن الوقوف عليها ماضيا ومستقبلا في هذه المناسبة؟ وكيف لعبت العرائض والوطنيون دورا في إنجاز الاتحاد؟
اليوم الوطني.. التقاء الآباء المؤسسين بالجيل المؤسس
إذا كان شعب الإمارات متواجدا فعليا في مضمونه الديمغرافي وانتشاره الجغرافي قبل الثاني من ديسمبر 1971، فإن الولادة السياسية للإماراتيين كانت في ذلك المفصل والمفرق التاريخي؛ في وقت لم يكن بمقدور الإنسان أن يعيش فيه بدون هوية تحفظ خصوصيته وانتماء وطني يعمق ارتباطه بأرضه وكيان سياسي مستقل وطموحات وأحلام ومصير مشترك وتآلف وترابط. وقد تحقق كل ذلك بقيام الاتحاد الذي رعاه الوالد الراحل الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن مكتوم وإخوانهما حكام الإمارات كافة.
وانطلاقا من هذه المسؤولية، التي تحمّلها الإماراتيون كافة إلى جانب قيادتهم، كان دفع الإماراتيين واضحا وقويا باتجاه إتمام الاتحاد. وكان الراحل علي الدباني أحد رجالات الوطن قد أسهب في رسم صورة التحام وطني نادرة بين قيادة الإمارات وشعبها وهو يؤرخ لدور الإماراتيين في إنجاز الاتحاد.
وكان قد قال الدباني لصحيفة "الخليج" المحلية، "كنت أحد الأشخاص السبعة الذين مثلوا الإمارات السبع، وقدموا المذكرة الشعبية إلى أعضاء المجلس الأعلى للدولة في عام 1979 الذي كان منعقداً برئاسه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان".
وأردف "الدباني"، "ذلك القائد الذي أتذكره جيداً في ذلك الحدث، وكيف كان بحنكة القائد استقبل الجماهير التي أتت لتدعم الاتحاد وتنادي بالوحدة". وأضاف: "وما أزال أتذكر الأجواء السياسية الوطنية التي كانت في حقبة السبعينات، حيث كان المواطنون شعلة نشاط من أجل الاتحاد، كنا شباباً تتقد فينا مشاعر التعاون والألفة، والنهوض ببلادنا، وكان الاتحاد في بداياته، كان المجتمع شباباً وشياباً كله يداً واحدة، وهمه المشترك أن يقوى الاتحاد بمؤسساته".
وتابع: وأذكر المجلس الوطني الاتحادي برئاسة المرحوم تريم عمران، الذي قدم المجلس في عهده المذكرة المشتركة بين المجلس الوطني ومجلس الوزارء إلى المجلس الأعلى، ومنها انطلقت مظاهرات من شتى إمارات الدولة رفعت المذكرة الشعبية المؤيدة للمذكرة المشتركة، والتقت الشيخ زايد، وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى .
وقال "الدباني": أتذكر حين حشدنا المواطنين للمظاهرات أثناء اجتماع المجلس الأعلى لمناقشة المذكرة المشتركة التي قدمها المجلس الوطني مع مجلس الوزارء، وصغنا نحن مجموعة من المواطنين أيضاً المذكرة الشعبية، وتحركنا من مختلف الإمارات، ونحن ننادي: "المال الواحد والوحدة، ولا حدود ولا سدود، كنا نجتمع ونناقش ونصر على الاتحاد".
ويمضي الدباني، قائلا: خرج لنا المغفور له الشيخ زايد وألقى كلمة مقتضبة، مضمونها أن الحكام راضون عن مطالب الشعب وبكى أثناء حديثه لنا. وأضاف "الدباني" كان لهذه المسيرات الدور الرائع في دفع العمل الوطني، وتأصيل جذور الاتحاد، ومؤازرة المجلس الوطني في تبنيه للمذكرة التي قدمها إلى المجلس الأعلى.
اليوم الوطني يخطو سريعا نحو المستقبل
وكدليل إضافي على اللحظة الفارقة التي يمثلها اليوم الوطني، فإن هذه المناسبة توثق تاريخ وحضارة شعب من جهة، وتحفزه للمضي نحو الأمل والمستقبل بكل عزيمة وإصرار من جهة ثانية. فالذكرى الخمسين لليوم الوطني التي ستأتي بعد خمس سنوات، باتت محكا ومعيارا رئيسيا لمدى النجاح والتفوق الحكومي في الإنجاز وتحقيق طموحات الإماراتيين وتعزز من اتحادهم وتقوي دولتهم.
فمؤخرا، نشر نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رسالة موجهة إلى الشعب الإماراتي بمناسبة اقتراب تحقيق رؤية 2021 والتي تتزامن مع الذكرى الخمسين للاتحاد واحتفالات الإماراتيين به، وبتحقيق جميع الرؤى والخطط التنموية التي وضعتها الجهات المعنية.
وقال نائب رئيس الدولة في رسالته: بقي 5 سنوات، هي "سنوات التحدي" بحسب وصفه، إذ لا يزال 38% من الأجندة الوطنية قيد التنفيذ في مجالات مختلفة لم تنجر بعد.
وفي تلك الرسالة التاريخية، أكد محمد بن راشد: "المجاملة على حساب الوطن ليست من الوطنية"، وهو يحفز جميع الإماراتيين على المساهمة والمشاركة في إتمام رؤية 2021 في سنوات التحدي الخمس القادمة، والتي سيتم تتويجها بأحد الإنجازات الكبرى وطنيا: محليا وخليجيا وعربيا وإسلاميا، وهو استكمال مهمة مسبار الأمل والذي من المتوقع أن يصل إلى المريخ تزامنا مع احتفالات الإماراتيين باليوبيل الذهبي (الذكرى الخمسون) لليوم الوطني عام 2021.
الاتحاد.. ثمرة عريضة وحافزية استعادة الجزر المحتلة
في الوقت الذي يمثل فيه اليوم الوطني تاريخا مجيدا للشعب الإماراتي ومستقبلا زاهيا، فإن ما ينغص كل عام هذه الفرحة هو استمرار احتلال النظام الإيراني لجزرنا الثلاث. ويؤمل الإماراتيون أن يكون تحرير هذه الجزر، أحد الأهداف الرئيسية التي يحققها خلال "سنوات التحدي" الخمس القادمة، فلا وطنية تامة ولا احتفالات كاملة إلا باستعادة جزرنا المحتلة.
لقد اتضح كيف أسهمت "العريضة" في تشجيع القيادة والشد على يدها في استكمال الاتحاد والحفاظ عليه. وفي أواخر نوفمبر الماضي أشارت دراسة لـ"معهد واشنطن" إلى أهمية العرائض في تاريخ المشاركة الشعبية الإماراتية في الشأن العام. إذ قالت هذه الدراسة:" أظهر الإماراتيون المزيد من الاهتمام الواسع للمشاركة في النشاط المدني والسياسي العام. وجاءت العلامات المبكرة للوعي السياسي الجماعي في شكل عرائض للحكام تركز على المعضلات الحضرية، مثل النقل والإسكان، وكذلك مطالب لتوزيع الموارد على نحو أكثر إنصافا عبر الإمارات السبع، وعريضة الثالث من مارس 2011. الناس يرغبون في التغيير وامتلاك إرادتهم الحرة والمشارمة في الإصلاح الحقيقي، خلصت الدراسة، التي اتفقت مع مقولة الشيخ محمد بن راشد في رسالته: "المجاملة على حساب الوطن ليست من الوطنية"، وهو ما يؤكده احتفالات الإماراتيين كافة بهذه المناسبة الوطنية الأغلى على قلوبهم والتي يفتدونها بأرواحهم وكل ما يمتلكون، ليبقى اسم الإمارات وعلمها عاليا وسمعتها ناصعة وأدوارها مشرفة، كما أرادها الآباء المؤسسون، والجيل المؤسس.