لا تقل المفاجآت الاقتصادية وقعا ولا وطأة على الإماراتيين عن مثيلاتها السياسية والعسكرية والأمنية طوال السنوات الخمس السابقة على الأقل. فبعد انخراط أبوظبي بمشروعات إقليمية ودولية باتت معروفة للجميع، بدأ الإماراتيون يحصدون نتائج ذلك بشريا (70شهيدا في اليمن)، و اقتصاديا (تقشف وديون ووقف خدمات وعجز الميزانية). فلماذا لجأت أبوظبي لاستدانة 5 مليار دولار، وكيف سيتحملها الإماراتيون ويسددونها، وهل مسوغات هذا الديْن مبررات داخلية أم خارجية؟
ما هي السندات (الديون) السيادية؟
فنيا، السندات السيادية، هي الديون المترتبة على الحكومات ذات السيادة، وتتخذ أغلب هذه الديون شكل سندات. وأحد أشكال هذه الديون، هو إصدار سندات لمستثمرين خارجيين بالعملة الأجنبية وهو ما حدث بالفعل، إذ أصدرت أبوظبي سندات بقيمة 5 مليار دولار لمستثمرين أجانب.
وبالفعل، فإن أبوظبي ومقارنة بدول الخليج أصدرت سندات بما يصل إلى 17% من إجمالي الدين الحكومي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، مقابل الكويت 6%، والرياض 2.7%، بحسب معطيات صندوق النقد الدولي.
لماذا تلجأ الحكومات لهذه الديون؟
بداية، لا بد من الإقرار أن غالبية دول العالم بما فيها الغنية تصدر هذه السندات رغم خطورتها الاقتصادية في بعض النماذج كما حدث مع قرب انهيار اليونان وإفلاسها. ولكن التساؤل، هو لماذا لجأت أبوظبي لهذه الديون؟
بصفة عامة، تلجأ الحكومات إلى الديون السيادية، لتمويل الاحتياجات المؤقتة في عجز الموازنة عندما تكون الإيرادات الفعلية أقل من النفقات المتوقعة. والكثير من الحكومات يفضل تحمل عبء الدين على خفض الإنفاق العام أو رفع الضرائب خوفاً من التبعات السياسية والاجتماعية لمثل هذه القرارات. كما تستدين الحكومات لتغطية النفقات العامة، خاصة في أوقات ارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي. إذ يرتفع حجم الدين العام في حالات الطوارئ مثل الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات المالية.
ماذا ينطبق من الأسباب السابقة على حالة "أبوظبي"
رغم أن الميزانية الاتحادية توضع بناء على حجم الإيرادات (ليس من بينها إيرادات النفط) وليس على حجم النفقات المطلوبة، ورغم اجتماع اللجنة المالية والاقتصادية برئاسة وزير المالية الشيخ حمدان بن راشد السبت (8|5) واستعراضها الاعتمادات الإضافية التي طلبتها الوزارات، إلا أن عجز الميزانية أقل بكثير من هذا المبلغ، بل إن الدين الجديد يصل حجمه لنحو 40% من حجم الميزانية التي تقدر بنحو 48 مليار درهم لعام 2016. أي أن الدين ليس لدعم الميزانية الاتحادية على الإطلاق، وهو ما يعني سقوط أول مبرر تستدين لأجله الحكومات.
الدولة بالفعل، أيضا، واجهت عجز الميزانية، بتراجع مستوى الخدمات ومراجعة الرواتب والتنصل من امتيازات التأمين الصحي وإعادة النظر في قانون المعاشات والتأمينات، ورفعت أسعار الطاقة كافة وزادت الرسوم الحكومية وبدأت بفرض الضرائب، ومع ذلك، قامت أبوظبي باستدانة 20 مليار درهم، مع التأكيد أننا نميز بين الميزانية الاتحادية والمحلية. وبما أن الدولة قامت بما سبق، فلا حاجة أيضا للاستدانة، وهذا هو سقوط المبرر الثاني لهذه السندات.
انخفاض الدخل القومي
يبدو أن هذه هو السبب الوحيد الوجيه في استدانة أبوظبي. ولكن، لا بد من التذكير أن أبوظبي تمتلك ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم يزيد عن 750 مليار دولار، كما أن إيرادات النفط لا تدخل في الميزانية الاتحادية، ومدى نسبة إيرادات النفط في ميزانية الإمارة المحلية غير معروف بصورة دقيقة، إذ تؤكد أبوظبي أن 70% من اقتصادها يقوم على النشاط غير النفطي، أي أن انخفاض عائدات النفط ليس هو سبب هذه الديون، وفقا لما تعلنه هي على الأقل.
الكوارث والركود الاقتصادي
ماذا بشأن الركود الاقتصادي وحالات الحروب والكوارث الطبيعية، كمبررات لإصدار هذه السندات. بحسب أحدث تقرير لوزارة الاقتصاد نشرته صحيفة "الإمارات اليوم"، الجمعة (13|5) فإن دولة الإمارات محصنة من الركود الاقتصادي، و" الأسس التي يستند إليها الاقتصاد الإماراتي راسخة وقوية، وقوة القطاع المصرفي والتنوع الاقتصادي للدولة يجعلانها محصنة من أي ركود اقتصادي"، هذا ما أكدته وزارة الاقتصاد. فلماذا قامت أبوظبي بتحميل المواطنين عبء هذه الديون، وهو ما يؤكد أيضا سقوط المبرر الثالث من مبررات التورط في الديون.
الكوارث الطبيعة، كمبرر، لا يمكن أن يبرزه أحد لأن الدولة – بحمد الله- لم تتعرض لأي كوارث، وحتى إعصار مارس الماضي لم تقدم أبوظبي ولا غيرها فيه أي شيء سوى وعود بتعويض المتضررين.
حالات الحروب.. كلمة السر
بحسب الأسباب المعتبرة، فإن الحروب سبب كاف لاستدانة الحكومات محليا وخارجيا. فهل ينطبق هذا السبب على أبوظبي. نظريا، لا ينطبق على الإطلاق، إذ لم تواجه الدولة أي غزو خارجي بل إن جزرها المحتلة إيرانيا ليست مطروحة لاستعادتها بعمل عسكري.
ولكن عمليا، فإن أبوظبي متورطة في عدد من الحروب المباشرة وبالوكالة وبدعم الانقلاب في مصر. فحرب فرنسا على مالي عام 2013 قد تكون أولى حروب أبوظبي العلنية، ودعم الحرب الأهلية في ليبيا وفق وثائق رسمية صادرة عن مجلس الأمن ومراسلات دبلوماسيين إماراتيين جرى تسربيها في نوفمبر الماضي لصحيفة "الغارديان" أو "نيويورك تايمز"، هي ثانية هذه الحروب، والحرب في اليمن والتي لم تعد تستهدف التمرد وإنما جماعات متشددة هي نموذج ثالث على الحروب التي تخوضها أبوظبي.
ولم يمض سوى أيام قليلة على هذا الدين، وتحديدا السبت (14|5) حتى أعلنت مصادر في البنتاغون أن الكونجرس وافق على بيع الإمارات صواريخ بقيمة 476 مليون دولار.
والأحد (15|5) أعنت وكالة أنباء الإمارات أن محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي وجه بتخصيص 20 مليون دولار لدعم مدينتي المكلا وعدن التي تسعى أبوظبي لتعزيز سيطرتها ونفوذها فيهما على ما يتهم ناشطون يمنيون.
دعم الانقلاب
كان أحد أهم المفارقات جراء هذه الديون السيادية أنها جاءت بعد أقل من شهر من إعلان أبوظبي دعم نظام السيسي بـ4 مليارات دولار، في حين تبين، إما أنها هي بحاجة للدعم أو أن دعمها الذي قارب 29 مليار دولار خلال عامين لنظام السيسي وفق مصادر "ميدل إيست آي"؛ اضطرها لتحمل ديون الانقلاب ودفع فاتورة هذا النظام الذي يواصل فشله على كل الأصعدة، وفق اتهامات ناشطين مصريين.
كيفية السداد وتداعيات التخلف
أحد الطرق الرئيسية لسداد هذه الديون هو زيادة الضرائب من جهة وزيادة خفض النفقات العامة والتقشف من جهة أخرى.
ولكن، ماذا لو فشلت أبوظبي بسداد هذه الديون التي يستحق نصفها في أجل 5 سنوات، والنصف الآخر في أجل 10 سنوات.
أي تأخر في سداد هذه الديون سوف يؤدي إلى خفض تصنيفها الائتماني، و فقدان المستثمرين في الأسواق الدولية الثقة في حكومة الدولة وأدائها الاقتصادي، و توقف أي دولة عن خدمة ديونها سيعني إعلان إفلاسها بصورة رسمية.
لذلك، تلجأ الحكومة المتعثرة، إلى صندوق البنك الدولية أو نادي باريس وهو مؤسسة غير رسمية تمثل تجمع الدائنين من الدول الغنية في العالم، ليتدخل في سياسات الدولة الاقتصادية لما يصل إلى حد التحكم بعدد صفحات الكتب المدرسية في إطار إعادة هيكلة الديون.
وبمجرد الإعلان عن هذه السندات، أعلنت "موديز" أن تصنيف دولة الإمارات عند (AA2) ولكن بنظرة سلبية، ما دفع وزير الاقتصاد سلطان المنصوري الأحد(15|5) للمسارعة في الإدلاء بتصريحات للصحافة المحلية توحي خلاف ذلك، تبعه بساعات علي ماجد المنصوري رئيس دائرة التنمية الاقتصادية أبوظبي، ليزعم أن ميزانية حكومة إمارة أبوظبي لعام 2016 أقوى وأكبر من ميزانية العام الماضي، دون أن يعلن عنها، وبعد مرور 5 شهور من السنة دون الإعلان عنها أيضا.
وإزاء هذه الحقائق والتداعيات، يتساءل الإماراتيون، لماذا استدانت أبوظبي هذه المليارات، وهل استدانتها نيابة عن نظام السيسي الذي ترفض المؤسسات الدولية دعمه نظرا لحجم فساده، أم أن دعم أبوظبي للسيسي بدأ يدفع فاتورته الإماراتيون بأسرع مما يتوقعون وأكثر ألما مما يتصورون؟!