تركت جوانب التنمية المتسارعة في الدولة آثارا جانبية تفوق خطورتها منافعها في كثير من الأحيان، وخاصة على الجانب الأمني في الوظائف والمناصب العليا التي لا تحتمل أن يعمل فيها "غير إماراتي" كونها تنطوي على حساسية عالية أمنية وسياسية واقتصادية. ويتزايد عدد المواقع والمناصب التي يشغلها أجانب دون التأكد من إمكانية توطينها على الأقل، أو دون التحرز من أن ذلك لا يشكل أي خطورة أمنية على الدولة ومؤسساتها. ومع ذلك، يستمر تجاهل برامج التوطين من جهة وغض الطرف عن المخاوف الأمنية الكامنة من جهة ثانية. فما هي أهم هذه المواقع التي يشغلها أجانب و ما هي قضايا الفساد التي تورطوا فيها أو شهاداتهم وخبراتهم المزعومة؟
الحرس الرئاسي.. قادة استرالييون
لعل أبرز الأمثلة، هو تولي الأسترالي "مايك هندمارش" منصب قائد الحرس الرئاسي ويرأس أيضا قوات النخبة الإماراتية المنتشرة في اليمن كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية .
و"هندمارش" ضابط كبير في الجيش الأسترالي، أشرف على تشكيل الحرس عام 2010 بعد وقت قصير من توليه وظيفته التي تكلف البلاد 500 ألف دولار سنويا معفاة من الضرائب. حيث كان يقدم تقاريره مباشرة إلى الشيخ محمد بن زايد.
أحد القادة العسكريين في الحرس الرئاسي الإماراتي، هو "بيتر باتسون"، وهو ضابط مخابرات أسترالي سابق ويعمل مستشارا منذ فبراير 2014. إضافة إلى "سكوت كوريجان"، وهو قائد العمليات الخاصة السابق في الجيش الأسترالي، ويعمل كمستشار متخصص لحرس الرئاسة منذ يناير لعام 2013. هناك أيضا "كيفن دولان" وهو ضابط سابق في الجيشين البريطاني والأسترالي ويعمل في مهام تقييم الحرس الرئاسي. أما "ستيف نيكولز" فهو قائد كبير سابق في الجيش الأسترالي، ويعمل كمستشار للحرس الرئاسي الإماراتي منذ أكثر من 5 سنوات.
وتؤكد مصادر، ليس معروفا على وجه الدقة عدد الأستراليين العاملين ضمن صفوف الجيش الإماراتي. ومع ذلك، ذكرت وسائل الإعلام المحلية في وقت تعيين "هندمارش" أن هناك العشرات من الأستراليين يعملون في «القيادة والتدريب والتوجيه».
قادة عسكريون بريطانيون وأمريكيون
إضافة إلى القادة الاستراليين، يعمل "بالدوار داوسون"، وهو مدير سابق في وزارة الدفاع في بريطانيا، وضابط سابق في البحرية الملكية كمستشار أمني كبير في الحرس الرئاسي، إلى جانب الأمريكي "روبرت كروس" و هو أمريكي يشرف على معهد تدريب الحرس الرئاسي الإماراتي، وهو جزء من برنامج تدريب تابع لمشاة البحرية الأمريكية.
المجلس الأعلى للطاقة
لم يقتصر عمل الأجانب على الحرس الرئاسي، وإنما وصل إلى مؤسسات اقتصادية كبيرة. فالمدير العام لمؤسسة دبي للبترول و عضو المجلس الأعلى للطاقة هو "فريديريك شيمين"، غير معروف الجنسية، هو أحد القادة الكبار لمجال الطاقة في إمارة دبي، إلى جانب "كيرون فيرقوسون"، المدير العام لهيئة دبي للتجهيزات، وعضو المجلس الأعلى للطاقة أيضا. ولا تتوفر معلومات رسمية عن هؤلاء ومؤهلاتهم التي أوصلتهم لهذه الوظائف الرفيعة.
الاتحاد للطيران
هي شركة الطيران الوطنية الإماراتية، وتمتلكها حكومة أبوظبي بالكامل يرجع تاريخ تأسيسها إلى يوليو 2003. رئيس المجموعة والرئيس التنفيذي للاتحاد للطيران هو البريطاني "جيمس هوجن" الذي تم تعيينه في سبتمبر 2006. يقال إن "هوجن" تقلّد عددا من الوظائف العليا في شركة هيرتز أستراليا و"هيرتز أوروبا بي إم أي" وفنادق فورت وطيران الخليج. وتقول مصادر إعلامية إنه لعب دوراً "حيويا"ً في مسيرة النمو السريع التي شهدتها الاتحاد للطيران.
مركز الإمارات للتحكيم البحري
أصدر في أبريل الماضي الشيخ محمد بن راشد قرارا وزاريا اتحاديا رقم (14) لسنة 2016 بإنشاء هذا المركز مقرونا بقرار آخر رقم (16) لسنة 2016 والذي يقضي بتشكيل مجلس أمناء المركز برئاسة "السير أنثوني كولمان"، الذي لم توفر عنه المصادر الحكومية الرسمية أية معلومات، كون الوقوف على هذه المعلومات وسيرته الذاتية ونشرها بشفافية يمكن التعرف إن كان هذا التخصص نادرا أو غير متوفر لدى الإماراتيين. ويهدف المركز الذي يرأسه "كولمان" إلى تقديم " فض المنازعات البحرية بسرعة وكفاءة وسهولة وتعزيز تنافسية الإمارة في هذا المجال على المستويين الإقليمي والدولي وإكمال منظومة عمل القطاع البحري في دبي"، على حد وصف الإعلام الرسمي.
القيادة العليا لـ "اتصالات"
أحد الأشكال الأخرى لوصول الأجانب إلى مؤسسات حيوية في الدولة هي "هيئة اتصالات" التي توليها الدولة اهتماما كبيرا، وأحد مؤشرات أهميتها هو استحواذ الدولة عليها بصورة كاملة وترفض خصخصتها وحتى شمولها برقابة جهاز المحاسبة.
وقد شكا موظفون إماراتيون في مجموعة "اتصالات"، ما وصفوها بـ"سياسة تهميش بحقهم وإبعادهم عن المناصب القيادية في المجموعة"، مؤكدين وجود سيطرة شبة كاملة للموظفين الأجانب على المجموعة ككل، خصوصاً في المناصب العليا.
هيئة الاتصالات قالت في ردها على هذه الاتهامات لصحيفة "الإمارات اليوم" المحلية، إن "تعيين مجموعة من الموظفين الأجانب في مناصب قيادية لا يعني تهميش المواطنين أو الاستغناء عنهم"، مشيرة إلى أنها "تنتهج سياسة تقوم على استقطاب أفضل الكفاءات العالمية، التي تتمتع بالخبرة والمعرفة والمهارات المناسبة من خلال منظور عالمي" على حد زعمها، دون أن تدرك الهيئة أنما تقوم بالتشكيك بقدرات الشعب الإماراتي الذي أنجب قادة كبار للدولة، فهل عجز عن إنجاب موظفين وقيادات مهنية، يتساءل إماراتيون على سبيل الاستنكار .
وشكا الموظفون الإماراتيون، أن توظيف الأجانب ترافق مع استبعاد الكفاءات المواطنة، ما يتنافى مع سياسة الدولة الرامية إلى التوطين في جميع المجالات، خصوصاً في مجال الاتصالات.
وأكد عدد من الموظفين المواطنين أن أكثر من 90٪ من الوظائف القيادية والمهمة في هيئة "اتصالات" وشركات أخرى تابعة لها، يسيطر عليها أجانب. وكشفوا أن "اتصالات" فصلت عدداً من القيادات الأجنبية بعد اكتشاف حالات فساد وتربح واستغلال نفوذ، من بينهم موظف رفيع المستوى ينتمي إلى دولة في أميركا اللاتينية، بعد اكتشاف اختلاسه 90 مليون درهم، وبعد ثبوت أنه لا يحمل شهادة الثانوية العامة.
وكانت عينت "اتصالات" عددا من الأجانب في مناصب قيادية عليا، مثل الرئيس التنفيذي لشؤون التكنولوجيا، وهو برازيلي الجنسية، والرئيس التنفيذي للشؤون المالية، وهو تركي الجنسية، والرئيس التنفيذي للشؤون الاستراتيجية، وهو سويسري الجنسية.