انطلق في شرم الشيخ الجمعة (13|3) المؤتمر الاقتصادي الذي جاء بعنوان "مصر المستقبل" و عول عليه نظام السيسي ليس من أجل انطلاقة اقتصادية فقط، وإنما لإحداث انطلاقة سياسية أيضا وفق وصف تأكيد صحيفة "نيويورك تايمز" (11|3)، وكما ظهر من مشاركات الوفود وكلماتهم التي حملت مضامين سياسية أكثر منها اقتصادية يرى السيسي أنها تشكل له عبورا سياسيا للمجتمع الدولي. فما هو دور الإمارات في تنظيم ورعاية هذا المؤتمر، ولماذا قدمت دولتنا أكثر من ميزانيتها في الوقت الذي تعاني منه بعض إماراتنا وخاصة الإمارات الشمالية، من غياب خدمات أساسية كالكهرباء والبنية التحتية وغياب العدالة الاجتماعية بين إمارات الدولة في مجالات الحياة كافة؟
66 مليار درهم في عام ونصف
ألقت دولة الإمارات كامل ثقلها خلف انعقاد المؤتمر، وأكدت "الاتحاد" في افتتاحيتها اليوم بعنوان "الإمارات مع مصر من أجل العرب"، أنه "كان للإمارات جهد أكبر على كافة المستويات في عقد المؤتمر ونجاحه", الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة الذي ألقى كلمة الدولة في المؤتمر، أكد أن دعم الإمارات لمصر بلغ 51.4 مليار درهم ( 14 مليار دولار) منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، إضافة إلى 14.6 مليار درهم ( 4 مليار دولار) تعهدت بهم الدولة في المؤتمر، ليصل الملبغ الإجمالي الذي تلقاه السيسي في عام ونصف 66 مليار درهم إماراتي.
ورغم التصريح بمبلغ 51.4 مليار درهم التي تلقاها نظام السيسي ولم تنعكس بالإيجاب على الشعب المصري، ورغم تسريبات السيسي الأخيرة التي احتقر فيها الإمارات والسعودية والكويت، ووصف أموالهم "زي الرز"، ورغم حاجة معظم إمارات الدولة لهذه الأموال، إلا أنه يتم الإعلان عن مبلغ يقارب 15 مليار درهم إضافية لدعم الجيش المصري وليس الشعب المصري كما أكدت التجربة السابقة، وكما تأكد أن المشروعات التي يتم الإعلان عنها إنما هي مشاريع وهمية لأغراض انتخابية، كما هو الحال مع مشروع المليون شقة والتي قيل إن "أرابتك" العقارية هي التي تتولى إقامة هذا المشروع. وذات التجربة تتكرر اليوم في المؤتمر الاقتصادي، عندما أُعلن عن أن "إعمار" العقارية ستبني عاصمة إدارية جديدة لمصر شرق القاهرة.
49 مليار درهم ميزانية دولة الإمارات
عبر صفحته في فيسبوك، كان قد أعلن الشيخ محمد بن راشد، رئيس مجلس الوزراء أن الميزانية الاتحادية لعام 2015، بلغت 49 مليار درهم. وقال الشيخ محمد "ترأست اليوم اجتماعا لمجلس الوزراء بقصر الرئاسة في أبو ظبي اعتمدنا خلاله الميزانية العامة للاتحاد للعام 2015 بقيمة 49 مليار درهم". وهو ما يعني أن ميزانية 2015، هي أقل من الدعم الذي تلقاه السيسي (51 مليار درهم) رغم زيادة 6.5 % في الإنفاق الحكومي. كما أن ميزانية الدولة عام 2014 بلغت 46 مليار درهم فقط، أي أن الأموال التي ذهبت لنظام السيسي كانت أكثر من ميزانية الدولة طوال تاريخها، نظرا لوصف ميزانية 2015 بأنها الأكبر في تاريخ الدولة!
وبحسب الشيخ محمد، فقد تم تخصيص 49 % من الموازنة "لمشاريع التنمية الاجتماعية والمنافع الاجتماعية للمواطنين"، كما تم تخصيص 20 مليار درهم "للشؤون الحكومية وتطوير الخدمات". وهو ما يعني أيضا، أن نظام السيسي حظي بضعفي مخصصات الشعب الإماراتي والتي ستنفق على مشاريع تنموية عامة، في حين أظهرت التسريبات التي تدرك حكومتنا دقتها أن نظام السيسي وليس الشعب المصري هو من استفاد من هذا الدعم.
ضعف تمويل المشروعات الاتحادية
وحسب بيانات الحكومة الإماراتية التي أدلى بها يونس حاجي الخوري وكيل وزارة المالية، فإن 6.5 مليار درهم هي الكلفة الكلية لمشروعات تطوير وتحديث محطات الكهرباء وتحلية المياه بالدولة، والتي تنفذها الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء واعتمد لتنفيذ هذه المشروعات في السنة المالية 2015 مبلغ 715 مليون درهم فقط، في حين سوف يمدد أجل هذا التطوير وفقا لميزانيات السنوات القادمة. والإمارات الشمالية بما فيهم إمارة الشارقة تعاني نقصا كبيرا في خدمات المياه والكهرباء والبنية التحتية وانتشار البطالة، وضعف رواتب موظفي الهيئات الاتحادية مقارنة مع موظفي الهيئات والدوائر المحلية في إمارتي أبوظبي ودبي، والتي يصل فيها راتب موظف مواطني أبوظبي أكثر من راتب موظفي الإمارات الشمالية بسبعة أضعاف، مع اختلال واضح في ميزان العدالة الاجتماعية، وغياب المشروعات التنموية وضعف الخدمات الصحية والتعليمية، والتي كثيرا ما تكتب عنها صحف الدولة ذاتها، وخاصة صحيفة الاتحاد الصادرة في أبوظبي والتي لا يكاد يمر أسبوع دون تسليط الضوء على المشكلات التي تعاني منها الإمارات الشمالية.
و بالنسبة لمشروعات الوزارات الاتحادية فقد أُدرج 11 مشروعاً لوزارة الصحة لبناء مستشفيات ومراكز صحية وعيادات بكلفة كلية قدرها 1.8 مليار درهم اعتمد لها 213 مليون درهم فقط للتنفيذ في 2015. وتم اعتماد 14 مشروعاً لوزارة التربية والتعليم لبناء مدارس للمراحل المختلفة بكلفة كلية قدرها 535 مليون درهم واعتمد لها 63 مليون درهم فقط للتنفيذ في 2015. فأين بقية الاعتمادات؟
وضمن مشروع الميزانية الاتحادية لعام 2015 خُصص للأهداف والبرامج لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي 88 مليون درهم فقط. وبلغت الكلفة الكلية لـ 6 مشروعات لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع 294 مليون درهم مدرج لها بالسنة المالية 2015 نحو 28.5 مليون درهم فقط لإنشاء وإنجاز مجمع رياضي ومراكز ثقافية بالإمارات الشمالية.
تساؤلات الإماراتيين
يحمل الإماراتيون الكثير من التساؤلات المحيرة والتي لا تجد لها إجابة لا من حيث وجودها، ولا من حيث صدقها ودقتها إن وجدت إجابات أصلا. لماذا تدفع الدولة أكثر من ميزانيتها لنظام السيسي؟ من أين جاءت الدولة بهذه المبالغ غير المدرجة في ميزانيتها، ولماذا سياسة الصرف لا تتمتع بالشفافية ولا يسمح للإماراتيين بالاطلاع عليها؟ فمن أين جاءت هذه الأموال، ولماذا لم يكشف رئيس حكومتنا عن مصدرها؟ وأين تذهب هذه الأموال؟ من الأولى بهذه الأموال، الشعب الإماراتي أم نظام السيسي؟ ومتى سيتوقف الإماراتيون عن البحث عن المنح والقروض و"المكرمات" ليعيشوا حياة كريمة؟ كل هذه التساؤلات التي لا إجابات لها، ولدت تساؤلا كبيرا لدى الشارع المصري: "هل تقاسمت أبوظبي ودبي الدولة المصرية، فلأبوظبي المواقف المصرية السياسية والأمنية ولإمارة دبي الاستثمارات الاقتصادية؟"، وفق ما يفهمه مصريون غاضبون!