رغم سخونة الأوضاع في المنطقة، واقتراب الصراعات الإقليمية إلى حدود الدولة الجغرافية، ناهيك عن اقحام الدولة بحروب عدة وجبهات متعدة، وانهيار أسعار النفط، وارتفاع الحديث في المجتمع عن الاعتقال السياسي، الذي كان آخره اعتقال ثلاث شقيقات وتفشي المشاكل في المجتمع، كل ذلك لم يستوقف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، بطرح أسئلتهم على الحكومة، ليظهروا وكأنهم يغردون خارج السرب.
تجاهل للقضايا الساخنة
ففي جلسة المجلس الوطني الاتحادي، المنعقدة يوم الثلاثاء (17|2)، والتي تتزامن مع احتفالات المجلس بالذكرى 43 لإنشائه، وجه العضو حمد أحمد الرحومي سؤالاً إلى وزير الأشغال العامة عبد الله بلحيف النعميمي، عن ماهي الإجراءات التي ستقوم الوزارة لتنفيذ قرار صادر عن الحكومة برفع الدعم الحكومي للاسكان.
في الوقت الذي سأل فيه زميله في الجلسة نفسها، سؤالا موجها إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات، الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان، عن "ما هي جهود جامعة الإمارات لتطوير آليات الإرشاد الأكاديمي للطلبة".
لتمضي بعدها غالبية الجلسة للحديث عن صيد الأسماك في الدولة ويفرد لها الوقت الأطول، عن صيد الأسماك، وتراخيصها وتنظيمها وتسويقها، وعن الصيد الجائر.
في الوقت الذي يشهد فيه الوضع الداخلي تأزمنا حقيقيا بعد تصاعد انتهاكات جهاز أمن الدولة، وترك العنان له، ليصل به حد استدعاء ثلاثة مواطنات شقيقات يوم الأحد الماضي (15|2) للتحقيق معهن، وهن (أسماء، مريم واليازية) خليفة السويدي، أخوات المعتقل عيسى خليفة السويد المحكوم في قضية الـ 94 إماراتي، واختفائهن بعد ذلك، ولا يعرف حتى اللحظة مكان احتجازهن حيث لا يسمح للعائلة أو المحامي بزيارتهن، في عملية اختطاف مكتملة الأركان، ضاربة بعرض الحائط حقوق المواطنة، أو قيم المجتمع الإماراتي المحافظ.
مجلس بلا صلاحيات
وتأتي هذه الحادثة وغيرها من حوادث انتهاكات حقوق الإنسان تحديدا، في ظل غياب تام للمجلس الوطني الاتحادي، لطرح مثل هذه القضايا على الحكومة، والذي أسس أصلا لحل مشاكل وهموم المواطنين وتلبية متطلباتهم.
إلا أن مراقبين يذكّرون أن المجلس وقراراته ليس لها أي تأثير على الحكومة بحسب نص القانون، وأن ما تحظى به من متابعة اعلامية رسمية، تأتي في محاولة لربطه بأجواء الديمقراطية والانفتاح في الدولة.
التغريد .. ولو حتى على تويتر
تغريد الأعضاء خارج السرب في المجلس، يخفف عنه ولو نفسيا، التغريد على موقع التواصل الاجتماعي "التويتر"، باعتباره النافذة المتبقية للأعضاء بالتعبير عن آرائهم بعيدا عن موقفهم الرسمي، إلا أن اللافت أن يطال الغياب حتى مشاركاتهم على "تويتر"، حيث فسّره مراقبون بأنه "غياب المُجبر" كون أن ملفات المعتقلين السياسيين بمن فيهن المواطنات الثلاثة، خط أحمر للدولة، مذكرين بقضية القاضي علي سعيد الكندي المعتقل منذ 9 سبتمبر 2012 وهو أحد قضاة مجلس الدولة، وعضو جمعية الحقوقيين، عندما اقترب من هذا الملف، ليتم بعدها فبركة اتهامات كيدية له، ويصدر بحقه حكما بالسجن 10 سنوات، بتهمة الانتتماء إلى التنظيم السري للإستيلاء على السلطة بالقوة.
المجلس في سطور ..
عقد المجلس الوطني الاتحادي أولى جلساته بتاريخ 12 فبراير 1972، وكان أعضاء المجلس منذ نشأته يعينوا من قبل حكام إماراتهم، إلى أن أصدر الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، في ديسمبر 2006، قرارا ينص على أن يتم انتخاب نصف الأعضاء وتعيين النصف الآخر من ممثلي كل امارة عن طريق الحاكم.
وسيقوم هؤلاء المختارون من قبل حكام الإمارات السبع، الذين يشكلون "الهيئة الانتخابية" بانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي المؤلف من 40 عضوا، أي أن 1 في المائة، من مواطني الإمارات يحق لهم التصويت أو خوض الانتخابات على نصف مقاعد المجلس الوطني الاتحادي المتبقية. كما أن المجلس ليست له سلطات تشريعية.
ولعلنا نذكر في هذا المجال أن أعضاء المجلس الوطني الاتحادي في المرحلة المبكرة من قيام الدولة الاتحادية، كانوا على صلة أوثق مع المواطنين، ويطرحون قضاياتهم بتجرد وقوة، بعكس ما هو حادث الآن، حيث تبدو العضوية مصدر وجاهة اجتماعية ودخلاً مادياً للعضو، ما يدفع الغالبية للأخذ بسلامة موقفهم، واتخاذ جانب الحياد، حتى تتجدد ثقة الحكومة بهم، لتسميتهم لعضوية المجلس في الدورة التالية.
تفعيل المجلس
وكانت دعوات قد صدرت من نشطاء حقوقيين بضرورة تفعيلة المجلس لدوره الحقيقي، لا سيما من خلال تغيير أسلوب اختيار الأعضاء ليتم ذلك عبر الانتخاب بدلا من التعيين، وأن يتم زيادة عدد أعضاء المجلس، إذ لا يعقل أن يكون عدد أعضاء المجلس الآن مساويا لعدد الأعضاء قبل ثلاثة عقود، كما أنه يجب على المجلس أن يمثل عموم المواطنين ويضمن تمثيل كافة الشرائح، ليتسنى للمجلس بعدها بلعب دور فاعل ومؤثر على الصعيد الدولة والمواطن، كما قالوا.