تعد "أرابتك" شركة البناء الرائدة في دولة الإمارات من حيث قيمتها السوقية، وتمددها إلى خارج الإمارات كمصر وغيرها، فمنذ انطلاقتها في عام 1975، قامت الشركة بتنفيذ مجموعة من مشاريع البناء الكبرى في مختلف قطاعات العقارات والبنية التحتية، بما في ذلك عدد من معالم دبي مثل برج خليفة وبرج العرب.
وتوسعت محفظة الشركة في الفترة الأخيرة لتشمل قطاعات العقارات الشاهقة والفنادق والمشاريع السكنية والتجارية والصناعية، وتطوير المطارات، والملاعب، والمجمعات، والترفيه، ومنشآت النفط والغاز البحرية، إضافة إلى تميزها ببناء المشاريع الأكثر شهرة في الدولة مثل برج خليفة وبرج العرب، وفندق قصر الإمارات، ومدينة دبي الملاحية، ومركز دبي المالي العالمي، ومطار دبي، ومطار دبي ورلد سنترال الدولي، ومصنع معالجة الغاز في جزيرة مبرز، ومدرج غنتوت، ومدينة دبي الرياضية، ومنشأة بناء السفن في أبوظبي، وغيرها من المشاريع، إلى جوار دخولها في شراكات طويلة الأجل مع عدد من كبار العملاء.
واستطاعت أن تحصد العديد من الجوائز التي ساهمت، ومن بينها جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للبناء في عام 2008، ومنحت "أرابتك" شهادة نظام إدارة الجودة والبيئة وشهادة OHSAS لنظام إدارة السلامة والصحة، كما أنه لديها مجموعة واسعة من الآلات والمعدات الأحدث من نوعها عالمياً وفريقاً متعدد الجنسيات يزيد عن 40 ألف موظف.
واستطاعت "أرابتك" خلال العقود الثلاثة الماضية، أن تسجل نمواً هائلاً مهد لها الطريق لإدراجها العام في سوق دبي المالي في العام 2004، ولا تزال "أرابتك" شركة المقاولات الوحيدة المدرجة للعموم في السوق منذ ذلك الوقت.
وقفزت إيرادات "أرابتك" بمعدل 30 % حيث وصلت إلى ملياري دولار العام الماضي 2013، بينما تقول الشركة إن لديها مشروعات قيد التنفيذ بنحو 59 مليار دولار.
أهمية "أرابتك":
تبرز أهمية "أرابتك" من وجهة نظر مراقبين وخبراء في الشأن الاقتصادي ما تحظى به الشركة من بعد سياسي مهم جداً، إذ أن للشركة أهمية سياسية كبيرة إلى جوار أهميتها الاقتصادية، كونها أصبحت أداة للدبلوماسية الاقتصادية بالنسبة لدولة الإمارات، مما يعد أي صعود لها دلالة كبيرة على متانة وصعود اقتصاد الدولة، كما أن انتكاستها أو تعرضها لأزمة فإن تداعياتها تطال الاقتصاد الوطني للدولة برمته، فضلاً عن تأثره واهتزاز سمعته في أذهان المستثمرين والمراقبين.
الصعود الكبير لـ" أرابتك":
بدأت حظوظ "أرابتك" في الصعود الكبير منذ العام 2012 أكثر من ذي قبل، وذلك بعدما عمل صندوق "آبار للاستثمار" وهو مساهم رئيسي في الشركة ووحدة تابعة لـ"آيبيك" على زيادة مشاركته في "أرابتك" وشرع في توفير عمليات لها.
ففي فبراير شباط الماضي ذكرت "أرابتك" أنها وقعت مذكرة تفاهم بقيمة 6,1 مليار دولار لبناء 37 أبراج سكنية وفندقية ومتعددة الاستخدامات لحساب "آبار" في كل من أبوظبي ودبي، مما أدى إلى تضاعف سهر سهم "أرابتك" أكثر من ثلاثة أمثال في الخمسة شهور الأولى من العام.
كما أعلنت الشركة في فبراير الماضي من هذا العام بأنها تعتزم القيام بتأسيس 5 شركات جديدة في خطوة توسعية جديدة منها، عدت الأولى بعد الفوز بأكبر عقد في تاريخها من شركة "آبار" الإماراتية وقيمته 22,4 مليار درهم.
وقالت الشركة في بيان نشر على موقع سوق دبي المالية في الـ 9من فبراير/ شباط 2014، إن مجلس الإدارة وافق على إنشاء شركة "أرابتك لاستثمارات البنية التحتية" التي ستقوم بالاستثمار خارج دولة الإمارات في مشاريع البنية التحتية والقطارات والمطارات ومشاريع البناء والتشغيل والتحويل والأنشطة التابعة لها، وشركة "أرابتك الوطنية" للاستثمار داخل دولة الإمارات في مشاريع البنية التحتية والمطارات والطاقة والمياه ومشاريع البناء والتشغيل والتحويل والأنشطة المرتبطة بذلك، بالإضافة لتأسيس شركة "أرابتك لاستثمارات الطاقة والمياه" التي ستقوم بالاستثمار خارج الإمارات في مشاريع ومحطات الكهرباء والطاقة والمياه والأنشطة التابعة لها.
أما الشركة الرابعة التي ستؤسسها أرابتك فهي "أرابتك كابيتال" في مركز دبي المالي العالمي والتي ستقوم بتقديم الخدمات المالية وخدمات الطرح العام للشركة، إلى جوار ذلك تأسيس شركة أرابتك للاستثمارات العقارية والصناعية في مصر.
مشروع "أرابتك" في مصر:
ومما ضاعف فرص الصعود السريع والكبير لأرابتك الإماراتية توقيعها في مارس الماضي برتوكول تعاون مع الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية، لإنشاء وتمويل مليون وحدة سكنية كاملة المرافق والخدمات في مصر، علي مدي 5 سنوات لصالح محدودي الدخل، والذي تصل كلفته الاستثمارية280 مليار جنيه، والذي يأتي في سياق الدعم الإماراتي المقدم للنظام المصري الذي جاء بعد الثلاثين من يونيو العام 2013، وعزل الجيش للرئيس محمد مرسي.
ويقام المشروع من أجل إسكان محدودي ومتوسطي الدخل، حيث ستقام الوحدات بـ13 موقعًا بمحافظات مصر بإجمالي مساحه 160 مليون متر، ووفقًا للبروتوكول يتم البدء في التنفيذ خلال الربع الثالث من العام الحالي 2014.
الانتكاسة المفاجئة:
لكن هذا التوسع والصعود الكبير لأرابتك الذي آخذ ذروته في العام قبل الماضي 2012 كما أوضحنا سابقاً ولاعتبارات قد يعرفها القائمون على الشركة لم يستمر طويلاً إذ تعرضت أرابتك خلال العام الحالي 2014 لصدمات وهزات كبيرة أثرت عليها سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، وأثرت على سمعتها، وعلى ثقة المستثمرين والمساهمين بها وعلى سمعة الدولة الاقتصادية بشكل عام.
حيث سجل سهم "أرابتك" تراجعاً وبالأخص خلال يونيو من العام الحالي 2014، في ظل تخبط ملاحظ من قبل القائمين على الشركة، وانتشار العديد من الشائعات التي هزت ثقة المستثمرين بها لعل أبرزها شائعة وجود خلافات بين إدارتي "أرابتك" و"آبار"، نظراً لما تحمله تلك الشائعة من أبعاد سياسية وذلك كون "أرابتك العقارية" والتي تتخذ من دبي مقراً لها وتعد شركة دبي القابضة للعقارات، وهي الشركة التي تحتل المرتبة الأولى في حجم التداولات وتستحوذ على حصة كبيرة منها في سوقي الإمارات ولحركة أسعارها في السوقين تأثير مهم في حركة أسعار أسهم باقي الشركات المدرجة، بينما تعد "آبار للاستثمار" ذراع الاستثمار لحكومة أبوظبي.
وتسارعت وتيرة هبوط السهم بين 8 و11 يونيو حزيران مع تقليص آبار لحصتها في أرابتك إلى 18.85 % من 21.57 %؛ وهذا الإجراء من قبل آبار عزز من الشائعات عن وجود خلافات بين إدارتي "أرابتك" و"آبار"، فيما استمرت آبار برفض التعقيب على نواياها لكن مستثمرين يخشون من أن التزامها حيال أرابتك قد بدأ يضعف أو ربما يكون قد ضعف.
أين الخلل؟؟
أذهان الكثير من الخبراء في هذا المجال تراجع أرابتك في يونيو الماضي بمعدل 24 % وخلال 3 أيام فقط فضلاً عن غيرها، ألا يحتاج لتفسير أو موقف رسمي؟؟
أليس هبوط سهم شركة بهذا الحجم وفقدان 50% من قيمته، وبهذا الشكل الغير منطقي يدفع إلى التساؤل حول أسبابه كما حصل في حال ارتفاعه بشكل غير منطقي، 3 أيام يخسر 24 % من قيمته كل يوم تقريبا يهبط بالنسبة القصوى، أمر يحتم على الشركة وهيئة الأسواق حينها وكل الجهات الرسمية التي لها صلة بهذا أن تقديم إيضاحات وتفسيرات وتطمينات حول الشركة؟؟.
كما أنه لم يعد خافيا أن الشائعات التي أثيرت حول الشركة و"بهاراتها" زادت الطين بلة، وأصبحت لها تأثير ولا يمكن تجاهلها ويستوجب الرد عليها.
نجدد القول بأن الإشكالية ليست في هبوط سهم شركة بعينها أو تراجعه؛ بقدر ما تكمن الإشكالية أن تربط الدولة سمعتها الاقتصادية بشركة، الإشكالية أن هذا السهم يجر السوق بما فيه من أسهم إلى تراجع حاد ويوجد حالة من الهلع المتفشي ويتسبب بحالة من السلبية والإضرار بالجو الاستثماري العام.
قدمت فيما بعد "أرابتك" وهيئة الأسواق بعض التبريرات حول ما تعرضت لها الشركة خلاصة هذه الإيضاحات والتبريرات بأن ما حصل لا يعدو كونه عملية تصحيح وجني أرباح، بل إن الرئيس التنفيذي لشركة أرابتك "حسن اسميك"، صرح في الـ 17 من يونيو الماضي أن الانخفاضات التي كان يعاني منها سهم "أرابتك" حينها "غير مبررة"، وهو تصريح يضع تساؤل كبير أيضاً أين يكمن الخلل؟؟
لكن خبراء اقتصاديين يستبعدون هذه الفرضية أو هذا التبرير بأن ما حصل عملية تصحيح وجني أرباح، بل يؤكدون أن هذا ليس جني أرباح سابقة ولا تصحيح، هذا أضرار ودمار عندما يتراجع سهم بالنسبة القصوى 3 أيام دون مبرر واضح ودون أزمة !!!
الرئيس التنفيذي:
أثيرت الكثير من الشائعات حول الرئيس التنفيذي السابق لشركة "أرابتك"، حسن اسميك (37 عاما) والذي صنفته مجلة فوربس في شهر يونيو من هذا العام كأول ملياردير أردني وثالث أصغر ملياردير في الشرق الأوسط بفضل حصته في أرابتك وقدرت صافي ثروته عند 1.4 مليار دولار. وقالت فوربس إن مصدر الأموال التي جمعها اسميك لشراء حصته في أرابتك ليس معروفا.
ومع احتدام أزمة أرابتك وانعكاساتها السلبية على المستثمرين وعلى أسواق الدولة بشكل عام بل وصلت تداعياتها إلى أسواق أخرى في المنطقة كان الملاحظ أن التخبط والتناقضات كانت هي سيدة الموقف مما ينبئ عند المراقب الخارجي بأن هناك صراعا خلف الكواليس حول ما يحصل.
ففي نفس الفترة التي صرح فيها اسميك في الـ 17 من يونيو وقال فيها بأن "الانخفاضات التي يعاني منها سهم "أرابتك" في الأيام الحالية "غير مبررة" نافياً أن تكون شركة آبار قد خفضت حصتها على خلفية خلافات مع الشركة، مشيرا إلى أن إدارة آبار أبلغته أنها باعت كامل أسهم المنحة التي حصلت عليها أخيراً من "أرابتك"، كما نفى ما تردد من شائعات حول نية الشركة شطب سهمها من سوق دبي المالي، مؤكدا أن مثل هذا الخيار "غير وارد إطلاقا ولم يكن مطروحا نهائيا".
إلا أنه في نفس اليوم أعلنت الشركة في بيان نشر على موقع السوق، أن مجموعة "آبار" قد خفضت ملكيتها الاستراتيجية في "أرابتك" بنسبة 2,27 % خلال أيام من 21,57 % إلى 18,85%.
لتأتي بعدها مباشرة إستقالة إسميك والتي قدمها بشكل مفاجئ في الـ 18 من يونيو (حزيران) وجاءت بعد ستة أسابيع تهاوى خلالها سهم أرابتك 50% وخفض فيها صندوق آبار للاستثمار الحكومي في أبوظبي - أحد الداعمين الرئيسيين للشركة - حصته إلى 18.85 % من 21.57 %.
واكتفت الشركة حينها بالقول في بيان مقتضب إلى بورصة دبي إن: "مجلس إدارتها قبل استقالة الرئيس التنفيذي حسن إسميك وسيعمل على حماية حقوق جميع المساهمين".
ولم تفصح الشركة عن استراتيجيتها المقبلة بعد استقالة إسميك أو ما قد يحدث لحصته البالغة 28.85 % في الشركة، مبررة استقالة رئيسها التنفيذي بأنه جاء "نظرا لانشغالاته الكثيرة بأعماله واستثماراته الخاصة".
ما أظهرته أزمة "أرابتك":
من أبرز ما كشفت عنه أزمة "أرابتك" أنها عكست الطبيعة المبهمة لشؤون الشركات في الدولة، إذ ظل المستثمرون في حالة من عدم اليقين بشأن مصير أحد أكبر شركات المقاولات الإماراتية والخليجية وأسرعها نموا.
كما كشفت عن الغموض الكبير الذي يكتنف القائمين عليها والتخبط الواضح في مواجهة الأزمات، ورغم تقديم اسميك لاستقالته إلا أنه كما يقول جوليان بروس مدير مبيعات أسهم المؤسسات الغربية لدى المجموعة المالية- هيرميس إنه لا يزال من غير الواضح على وجه الخصوص ما الذي سيفعله اسميك في حصته في أرابتك البالغة 28.85 % والتي تجعله أكبر مساهم في الشركة.
وحدت تلك المخاوف من صعود سهم أرابتك وهو ما سبب خيبة أمل للمستثمرين على الأقل في الأمد القصير.
وقال سانيالاك مانيبهاندو مدير الأبحاث لدى ".بي.ايه.دي" للأوراق المالية أحد أكبر شركات السمسرة في الإمارات في تصريح لرويترز، معلقاً على ما حصل لأرابتك "أتمنى فقط أن تستقر الأمور".
وأضاف قائلاً: "يجب على الشركة طمأنة المستثمرين بأن الاستراتيجية المتبعة منذ نهاية 2012 لا تزال سارية أو ما هي التغييرات التي ستدخل عليها. يحتاج المستثمرون إلى معرفة ماذا يجري".
كما أظهرت أن هيمنة سهم واحد بمفرده على السيولة في الدولة كما هو حاصل في أرابتك يثبت وجود خلل في بناء الأسواق ويعرضها لانتكاسات كبيرة ولو على المدى المتوسط والبعيد، إذ تفقد الأسواق توازنها بسبب عدم نشر وتوزيع السيولة على أكثر من سهم.