لا يختلف عربي عن عربي بمدى حبه لفلسطين وارتباطه عقديًا معها أو عربيًا، والتأكيد على عروبة القضية التي طال أمدها لأكثر من ستة عقود؛ لذلك كان أي موقف يعاكس هذا الاتجاه "نشازًا" لا بد أن يحظى بانتقاد واسع.. فكيف يكون الحال ومجال النقد في هذا الزمن متاح بصورة غير مسبوقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
بداية الحكاية
أثار فتح بوابة معبر رفح أمام الوفد الإماراتي الطبي، دون غيره من القوافل المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في ظل الحرب الجارية، جدلاً واسعاً في قطاع غزة، خصوصاً لدى الناشطين الذين شككوا في نية الوفد، وأرجعوا تسهيل مهمة دخوله القطاع إلى أسباب سياسية وأمنية، خاصة أن المرافق لهذا الوفد كان القيادي في حركة فتح سفيان أبو زايدة الذي فصل من الحركة على خلفية علاقته مع القيادي المفصول أيضاً محمد دحلان المقيم في الإمارات.
وراح بعض الناشطين ينشرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لضابط إماراتي يرتدي اللباس التقليدي لدولته خلال مرافقته الفريق الطبي، مشكّكين في أهداف الفريق، وتساءلوا في الوقت نفسه عن أسباب سماح السلطات المصرية بدخول هذا الوفد ومنع وفود من دول أخرى.
تصاعد الأمر قبلها وبعدها بحديث الإعلام الإسرائيلي عن موافقة غير معلنة من بعض الدول العربية لما يجري من عدوان إسرائيلي على غزة، وتحديدًا كما يعتقدون أنها ستنهي حركة "حماس" التي تعتبر امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمن التي أُعلن عن حظرها في عدد من الدول العربية، ومن بينها الخليجية.
إلا أن اللافت في الأمر كان تداول ناشطين فلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدهم نجل القيادي الراحل في حركة "حماس" براء عبد العزيز الرنتيسي، نبأ جرى فيما بعد تناقله على نطاق واسع، يفيد بأن المقاومة الفلسطينية استطاعت كشف ما أسمتها "شبكة تجسس إماراتية".
وكانت المفاجأة، بحسب ما أورده الرنتيسي ومصادر فلسطينية أخرى بعد ذلك، أن الوفد الطبي الإماراتي الذي وصل غزة لتقديم مساعدات من الهلال الأحمر الإماراتي، غارد بصورة مفاجأة بعد تلقيه تحذير أمني من الجهات المختصة في غزة .. بأنه تم إنشكاف حقيقة أمره، بحسب ما نُشر.
ويقول الناشطون، إن الشبكة التابعة للمخابرات الإماراتية كانت تسعى لمعرفة أماكن إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل، وأنه تم الكشف عن حقيقتها من خلال الأسئلة التي كانت تسأل عنها بعض الشباب من سكان القطاع.
رد غير مباشر
في المقابل؛ ردت الإمارات بطريقة غير رسمية على ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر عدد من المقالات لكتاب معروفين في الدولة، أكدوا من خلالها أن ما يتم تداوله هو إفتراء على الإمارات التي تقوم بدور فاعل في تقديم العون والمساعدة للفلسطينيين في غزة الذين تضرروا من العدوان على غزة.
يقول أحد الكتاب معقبًا "هكذا هي الإمارات دوماً وأبداً درعاً وحصناً حصيناً، يمنع الخطر ويرفع القهر ويقشع الفقر، ويواجه السيئات بالحسنات، بقناعة ذاتية أن الإمارات فوق كل الافتراءات وأن الإمارات شجرة سامقة باسقة لا تطالها أحجار الصغار مهما بلغت بهم، شهوة القذف ورمي الآخرين بما لا يليق بمكانتهم وتاريخهم، وتقاليدهم".
أما الرد الآخر بالشكل؛ فهو تقديم دعم كبير لقطاع غزة، على شكل مساعدات إنسانية ووعود بالإعمار، إلى جانب برنامج "سقيا الإمارات" لأهل غزة.
رد على آخر
إلا أن الرد الإماراتي زاد من حدة التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهناك من اتهم بـ "تمويل" العدوان على غزة، وآخر اتهمها بتقديم دعم مفتوح من أجل القضاء على حركة "حماس"؛ إلا أن آخرين تناولوا الموضوع من زاوية أخرى، بعد أن رصدوا تدفقًا غير متوقع للمساعدات الإنسانية الإماراتية لغزة.
فقد كتب البعض مقالات حول ذلك نشرتها مواقع إخبارية على "الانترنت" تفيد بأن الإمارات تدفع ملايين الدولارات في غزة مقابل "كتم فضيحة تجسسها على المقاومة الفلسطينية".
وربط بعض الناشطين بين ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في السادس عشر من تموز الماضي عن «وجود وحدات نخبة في غزة تعمل منذ تسعة أيام وساهمت في المساعدة في تنفيذ عشرين هجمة عسكرية على بيوت وأهداف تابعة لحماس»، وبين مهمة الوفد الزائر.
واستدعى اللغط القائم بشأن مهمة الفريق الإماراتي من أبو زايدة أن يكاشف الرأي العام بحقيقة زيارة الوفد إلى غزة باستفاضة، وذلك عبر صفحته على موقع «فيسبوك»، رافضاً التصريح عبر الهاتف بأكثر مما ذكره هناك. وقال أبو زايدة: «منذ بدء العدوان قررت الإمارات تقديم دعم سريع وعاجل لغزة»، وبناءً على ما سمّاها «نصائح فلسطينية»،
تقرر «إقامة مستشفى ميداني وتقديم مساعدات عاجلة للمنكوبين والمهجرين وعائلات الشهداء والجرحى». وأشار إلى تنسيق الإمارات مع مصر لدخول الوفد ومعه المستشفى الميداني «كما كان يجري في الحروب السابقة التي كانت تستدعي دخول متضامنين، من بينهم رئيس الوزراء المصري السابق هشام قنديل، لذلك ليس هناك أي جديد أو غريب في وصول وفد إماراتي أثناء الحرب على غزة».
دفاع فلسطيني
القيادي الفتحاوي أكد أن الوفد لم يبرح موقع العمل في دير البلح خلال ساعات وجوده، مشدداً على أن وزارة الصحة هي التي حددت مكان إقامة المستشفى. ولمّح في الوقت نفسه إلى علم قيادة «حماس» في غزة والخارج بتفاصيل زيارة الوفد الطبي، مبيّناً أن الظروف الأمنية الصعبة واشتداد حالة القصف على القطاع دفعا الفريق إلى المغادرة «التي لم تكن مفاجئة»، معقّباً: «هذه إشاعات أعرف شخصياً مصدرها وأعرف كثيرين ممن يرددونها».
ويرى أبو زايدة أن من يردد الشائعات المتعلقة بالوفد «سقط في فخ الحسابات الإقليمية»، متّهماً قطر وقناة «الجزيرة» على وجه الخصوص بترويج مهمة الوفد على أنها «استخبارية». وتساءل القيادي الفتحاوي عن جدوى المهمة الاستخبارية التي من الممكن للوفد فعلها.
ولا يزال بعض المراقبين يرون تناقضاً واضحاً بين موقفي الإمارات السياسي والإنساني حيال ما يجري في غزة، إذ تشير خريطة التحالفات التي أعيد تشكيلها مجدداً على ضوء الحرب أن الإمارات تنحاز إلى مصلحة مصر والسعودية بشأن ضرورة إلزام «حماس» بوقف إطلاق النار من دون شروط، على عكس الموقف التركي والقطري.
ويقول المراقبون إن أبو ظبي التي تعادي جماعة الإخوان المسلمين، التي تنضوي «حماس» ضمنها، من مصلحتها القضاء على آخر معاقل الجماعة في غزة، لذلك لا يمكن تفسير موقفها الإنساني المتعلق بإرسال معونات طبية وإقامة مستشفى ميداني لمساعدة جرحى العدوان في هذا الإطار.
ويتقاطع ذلك مع دعوة رئيس حزب «كاديما» وعضو الكنيست شاؤول موفاز إلى تخصيص دور لكل من السعودية والإمارات في تجريد «حماس» من صواريخها ونزع سلاح المقاومة في غزة.
الإعلام العبري لعب على هذا الوتر سريعًا؛ فقد قالت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي أن اتصالات سرية جرت في الآونة الأخيرة بين دولة الإمارات و"إسرائيل"، وكشفت عن تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمع وزيري الخارجية من الطرفين، في العاصمة الفرنسية باريس، عشية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبينت القناة أن اجتماعا سريا جرى نهاية الشهر الماضي جمع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ونظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، لبحث خطط خاصة من أجل القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، وذلك بتمويل من الدولة العربية، مشيرة إلى أن الإمارات على علم مسبق بالعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أيام على قطاع غزة، بحسب قولها.
وكشفت القناة أن بن زايد اجتمع على انفراد بوزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي على هامش اجتماع لعدد من وزراء خارجية دول الخليج والأردن بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وبحثا التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط خاصة على الصعيد الفلسطيني.
وتقول القناة إن دولة الإمارات العربية كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وأبدت استعدادا لتمويلها، شريطة القضاء على حركة حماس نهائياً، بحجة ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين.
فماذا يحدث إذا؟! أهي حرب على الإمارات ومواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية؟ ويُراد إسكاتها؟ أم أن فعلًا هناك لبس غير موضح رسميًا فيما يتعلق بقطاع غزة !