من المعتاد عندما تشاهد صالة التحرير الخاصة بإحدى الصحف، أن ترى مجموعة من الصحافيين منهمكين في كتابة الأخبار ومتابعة الأحداث، ولكن يبدو أن هذا المشهد على وشك أن يتغير في السنوات المقبلة، فمؤخرًا استعانت العديد من الصحف ووسائل الإعلام بـ«روبوتات ذكيَّة» لمساعدتها في تنفيذ بعض مهام الصحافيين.
وكانت أهم تلك التجارب عندما استعانت صحيفة «واشنطن بوست» بروبوت ذكي لتغطية مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير في كليفلاند، بعد عقدها لشراكة مع «تويتر» وشركة ««Double Robotics للروبوتات، فبواسطة تطبيق «Periscope» للبث الحي التابع لشركة «تويتر» كان بإمكان الروبوت تقديم خدمة تفاعلية حيّة؛ لمساعدة المشاهدين في منازلهم على طرح أسئلة على السياسيين، ليشعروا بأنهم متواجدون في الحدث، ويتابعون كل جديد.
وفي ظل الأحوال الاقتصادية السيئة لبعض المؤسسات الصحافية، واتجاهها للإغلاق، أو تقليل عدد العاملين لديها، ربما سيكون الاستعانة بالروبوت الصحافي هو الحل؛ بالأخص مع انخفاض تكلفة عمله، ولكن تظل فكرة قيام روبوت بأعمال صحيفة غير مفهومة لدى الكثيرين، ولذلك سيحاول هذا التقرير توضيح الأمر قدر الإمكان.
كيف كانت بداية الاختراع؟
يرجع اختراع الروبوت إلى مدرس سويدي يُدعى «سفيركير جوهانسون» قام بمحاولة تصنيع برنامج كمبيوتر أطلق عليه اسم «Lsjbot»، ويعمل على إعادة صياغة المحتويات المكتوبة عن طريق إدخال بيانات عليه، أكثر من 2.7 مليون نص مكتوب على موقع ويكيبيديا. ويستخدم الروبوت برنامجًا يعتمد على الحسابات الخوارزمية، وبإجراء بعض التعديلات المتقدمة عليها يمكن إنتاج قصص إخبارية أكثر تعاطفًا مع فريق ضد آخر.
وما زالت شركة «Narrative Science» المصنعة لأول روبوت صحافي لا تبوح بتفاصيل التكنولوجيا المستخدمة فيه، وتعمل على تطويره بهدف أن تذهب الروبوتات لما هو أبعد من الحقائق والسرد الخبري، وبالفعل أصبح بإمكان الروبوت الواحد إعداد تقارير اقتصادية تصل إلى 20 صفحة.
عند المقارنة من سيكون الأفضل.. الصحافي أم الروبوت؟
في محاولة منه لإثبات فشل الروبوت في المنافسة بمجال الكتابة الصحافية، قام أحد الصحافيين بشبكة «NPR» الأمريكية بتحدي نظام «wordsmith» الذي يكتب، ويحرر القصص والمقالات لعدة مواقع، بكتابة مقال عن موضوع محدد مسبقًا.
وكانت النتيجة أن استغرق المقال من الصحافي سبع دقائق، بينما لم يتجاوز البرنامج في كتابته دقيقتين، ومن ناحية المقارنة المادية فتبلغ تكلفة كتابة البرنامج للمقال أقل من ثمانية دولارات، وهذا يعد مبلغًا زهيدًا بالنسبة لمتوسط ما يتقاضاه الصحافي في أمريكا على المقال الواحد.
وفي
تجربة أجراها باحث سويدي مع ستة وأربعين طالبًا، وزع عليهم مقالين عن نتيجة مباراة كرة قدم، الأول كُتب بقلم صحافي متخصص، والثاني كتبه روبوت، وكانت المفاجأة عند حصول المقال الذي كتبه الروبوت على مرتبة متقدمة عن مقال الصحافي في تقييم الطلاب المشاركين في التجربة.
إلى أي مدى ينبغي أن يقلق الصحافيون؟
تسببت وكالة «أسوشيتد برس» في إحداث صدمة كبيرة لدى الصحافيين بعد إعلانها عن الاستعانة بروبوتات متطورة لكتابة المقالات الرياضية، بدلًا من الصحافيين، في محاولة لتغيير شغل التغطيات الصحافية للأحداث الرياضية؛ مما يزيد من احتمالية تكرار ما حدث في صحف أخرى.
ويبدو أن الخطر الذي تشكله الروبوتات على مستقبل الصحافيين أصبح مؤكدًا، والدليل على ذلك تصريح «جيمس كوتساكي»، المتحدث الإعلامي لشركة «أوتوميتد إنسايتس» المطورة لبرنامج «وورد سميث» بقوله: «لا نعرف بالضبط أي عدد من الوظائف فقدها الصحافيون بسببنا»، ولكنه أشار إلى أن البرنامج ينتج قصصًا إخبارية لا يُفضّل الصحافيون القيام بها كأخبار الاقتصاد، وبالتالي يمكنهم تركيز جهودهم على موضوعات أخرى.
وفي إحدى حلقات البرنامج الكوميدي الشهير «ذا ديلي شو» استضاف الإعلامي «جون ستيوارت» كاتبة الرأي «باربرا جيل والترز»، والتي تعتقد أن الروبوت الصحافي يمثل تهديدًا حقيقيًّا للصحافيين، فالخوارزميات ستقوم بالبحث وجمع المعلومات، وفي النهاية سيكون لدينا مقال صحافي جاهز للنشر.