أسدل الستار قبل أيام على دمج الشركتين الكبريتين في الدولة، "مبادلة" للتنمية و"ايبيك" للاستثمارات البترولية، بقرار من ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في خطوة أثارت حفيظة العديد حول جدوى هذا الدمج ودلالته الاقتصادية أو حتى السياسة.
القرار الذي برر اقتصاديا من قبل الدولة بأنه "يعزز اندماج الشركتين المزايا الاستثمارية والعائد الاقتصادي لإمارة أبوظبي كما سيؤدي الاندماج إلى خلق كيان قادر على تحقيق أعلى درجات التكامل والنمو في قطاعات متعددة ومنها الطاقة والتكنولوجيا وصناعة الفضاء والصحة"، جاء بعد سلسلة من القرارات الاقتصادية مؤخرا والتي تبعت الشركات الكبرى وعلى رأسها أدنوك التي استغنت عن آلاف العاملين في مؤشر على تأهب الدولة لفترة تقشف طويلة مع تعرض الاقتصاد لضغوط بسبب هبوط سعر النفط الخام.
كما جاء الدمج بعد الإعلان عن استدانة أبوظبي في مايو الماضي 5 مليارات دولار، وتجميد المرحلة الثانية من قطار الاتحاد وهو مشروع خليجي كبير يشكل إضافة اقتصادية كبيرة للدولة، فضلا عن ارتفاع واضح وكبير في أسعار المحروقات ومحاولة تغطية عجز "دولة الرفاه" من جيب المواطن.
القرار هذا جاء خاصا لأهمية الشركة الكبرى في الدولة، "مبادلة"، والتي يعدها البعض العصب الرئيس لأبوظبي بسبب توسعها واختراقها للعديد من المجالات، على رأسها العسكرية، فضلا عن دورها السياسي في الضغط على الدول.
"مبادلة" تحت المجهر
وتتنوع الحقيبة الاستثمارية للشركة، فهي تستثمر عالميا في كل من القطاع الصناعي والتجاري وحتى العسكري. وقد قامت الشركة باستثمارات كبيرة في كل من قطاع الصناعات الثقيلة، والطاقة، والاتصالات، والبنية التحتية والطيران.
وتتوزع أعمال الشركة على مجموعتان، مجموعة عملية وأخرى إدارية. تتضمن المجموعة العملية ست وحدات يقمن بالأعمال الاستثمارية للشركة وهن: وحدة المقتنيات ووحدة التكنولوجيا والطيران ووحدة الطاقة والصناعة ووحدة الطب ووحدة البنية التحتية والخدمات ووحدة العقار، فيما تتضمن مجموعة الشؤون المالية والإدارية كل الإدارات التي تقوم بالأعمال المالية والقانونية والخدمات الإدارية اللازمة للشركة.
الاهتمام العسكري من جانب مبادلة كان واضحا خلال الفترة الماضية، ومحاولة اختراق الدول الكبرى عبر المشاريع برز بشكل واسع سواء في أوروبا وأمريكا أو حتى آسيا.
وقد أعلنت شركة "روس تيخ" الحكومية الروسية في وقت سابق أنها تجري مفاوضات مع صندوق "مبادلة" الإماراتي للاستثمار حول بيع حصة 49% من أسهم شركة "مروحيات روسيا" للجانب الإماراتي.
وقد أشار رئيس الشركة الروسية سيرغي تشيميزوف إلى أنه من المتوقع أن يشارك في الصفقة أيضا الصندوق الروسي للاستثمار المباشر الذي تربطه علاقات شراكة بـ"مبادلة" الإماراتية.
كما وقعت مبادلة عبر شركة "غلوبل فاوندريز" المملوكة لها، عقدا ا لمدة 7 سنوات مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) للتزود بشرائح إلكترونية تستخدم للصواريخ والطائرات الحربية وأقمار التجسس الاصطناعية.
وذكرت صحيفة "وول ستريت"، الاثنين (6|6|2016)، نقلا عن مسؤولين أمريكيين، أن وزارة الدفاع، وقعت عقدا مع شركة "Globalfoundaries".
على الصعيد التقني تنشط مبادلة في مجال الأقمار الصناعية، حيث أن شركة الياه للاتصالات الفضائية " الياه سات" التابعة لشركة مبادلة للتنمية، تعمل على تصنيع القمر الصناعي الثالث "الياه 3" بشراكة عالمية.
وفي المجال النفطي الرائدة فيه أعلنت توقيعها لاتفاقية تعاون استراتيجي مع الشركة الوطنية الصينية للبترول، مختص بالتنقيب عن النفط وانتاج النفط والغاز.
كما أنها أبرمت مع «الاتحاد للطيران»، مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بينهما، تصل قيمتها إلى 3.67 بليون درهم.
مثلث القيادة
يشغل خلدون خليفة المبارك الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة "مبادلة"، وبحكم هذا المنصب، يتولى مسؤولية الإشراف على استراتيجية عمل الشركة، ومواءمتها مع الجهود الرامية إلى تنويع القاعدة الاقتصادية في إمارة أبوظبي، كما يشغل المبارك منصب رئيس جهاز الشؤون التنفيذية في الإمارة، الذي يقدم الاستشارات المتعلقة بالسياسات الاستراتيجية لرئيس المجلس التنفيذي للإمارة، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي.
أما سلطان الجابر، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لقطاع الطاقة في شركة مبادلة للتنمية، فهو أحد الشخصيات الإماراتية التي تستحوذ على مناصب عديدة ومهمة، أهمها أنه وزير دولة، ورئيس المجلس الوطني للإعلام، ورئيس مدينة "مصدر" ومسؤول ملف العلاقات الاقتصادية مع نظام السيسي، وأيضا الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» ومجموعة شركاتها، إلى جانب وظائف أخرى.
محمد أحمد البواردي، عضو مجلس الإداراة، يشغل حاليا وزير دولة لشؤون الدفاع في مجلس الوزراء لدولة الإمارات العربية المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، يشغل البواردي منصب نائب رئيس مجلس الإدارة في شركة "دولفين للطاقة"، وهو عضو في مجلس إدارة شركة "توازن القابضة". كما يرأس لجنة وضع وتنفيذ الاستراتيجية المائية والزراعية في إمارة أبوظبي.
وسيلة ابتزاز
هذه الشركة بعمقها وثقلها استغلتها أبوظبي بالضغط على الدول الكبرى لتمرير قراراتها وأجندتها، حيث كشف تقرير صحافي أن وزراء بريطانيين كانوا شكلوا وحدة سرية لتسهيل وصول دولة الإمارات العربية المتحدة إلى النخبة السياسية في المملكة المتحدة، ولتسهيل الحصول على صفقات الأراضي الرئيسية والمؤسسات العالمية الشهيرة في الأوساط الأكاديمية، وقطاع خدمات الصحة.
وقالت صحيفة "الغارديان" في تقرير لها نوفمبر الماضي أن الفريق الذي تم تشكيله في صيف عام 2013 لصالح الإمارات يتكون من 10 من كبار المسؤولين، ويطلق عليه مشروع "فالكون"، بهدف ضمان أن الدولة الخليجية سوف تنفق أموالها في بريطانيا.
وقد أنشئت فالكون بهدف التعامل مع الاستثمارات الغير عسكرية. وكان يشرف عليها في البداية بول دايتون وزير الخزانة في حكومة المحافظين.
وقالت وزارة الخزانة البريطانية أن «دايتون» أجرى 4 اجتماعات غير مسجلة مع صندوق «مبادلة» للتنمية، ثلاثة منها في يوليو 2013 بما في ذلك واحد بحضور بلير، والرابع في سبتمبر.
واعترفت الوزارة في مارس 2015 بأن بلير عقد سلسلة من الاجتماعات السرية مع صندوق الاستثمار «مبادلة» الذي تديره دولة الإمارات وتبلغ قيمته 70 مليار دولار.
وجاء في الإيميل: "التقى اللورد دايتون مع مجموعة توني بلير وشركاه مرة واحدة في يوليو 2013 لمناقشة الاستثمارات الداخلية. كما التقى مرتين مع صندوق مبادلة في يوليو 2013 لنفس السبب، وبسبب خطأ إداري في هذه الفترة فإن العديد من الاجتماعات، وأغلبها اجتماعات غير متعلقة بالأمر، لم تسجل في تقرير الشفافية، والآن تم تصحيح ذلك".
لم تلعب "مبادلة" في الساحة البريطانية فقط، فقد كانت حاضرة بقوة أيضا في العلاقة المشبوهة بين الإمارات وصربيا، وكانت إحدى الشركات الكبرى على طاولة الحوار وتوقيع العقود التجارية بين البلدين.
فقد وقع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الاماراتي، في العام 2013 ثلاث اتفاقيات استثمارية مع ألكسندر فوسيتش، نائب رئيس الوزراء الصربي، سيبلغ مجموعها 220 مليون دولار بحلول العام 2017، منها تمويل مصنع للرقائق الإلكترونية في صربيا بالتعاون مع مجموعة مبادلة الاماراتية.
وكما هو دور الشركات الإماراتية في الضغط الاقتصادي على بريطانيا، اسخدمت أبوظبي علاقاتها واستراتيجيات الاستثمار في صربيا، بحسب مراقبين، لإحباط المنافس التركي، ومنعه من تثبيت موطئ قدم راسخ ونشر نفوذه في منطقة البلقان.
ونقلت موقع "ميديل إيست آي" عن مصدر صربي لم يسمه أن "الخوف من الصعود الإقليمي التركي في البلقان هو الدافع الرئيسي للإماراتيين للتواجد في صربيا، وهذا ربما تم بنصائح أمريكية وإسرائيلية".
وفي ضوء ذلك، يتساءل مراقبون عن الضغط السياسي الحقيقي لشركة مبادلة على مستوى العالم، وأي دور تلعبه، وعن جدوى الاجندة السياسية التي تغامر بها أبوظبي على حساب أموال الشعب.