سببت المواقف المتباينة بشأن "عاصفة الحزم" سجالا دبلوماسيا "نادرا" بين دولة الإمارات وباكستان حسب وصف وسائل إعلامية. فالدولة معروفة وسائر دول الخليج بمواقفها المساندة لباكستان وخاصة في مجال الدعم الإنساني، وباكستان تعتبر صديقا تقليديا بصفة عامة لدول الخليج، وسجلت تاريخيا أنها أول دول اعترفت بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971. فلماذا وقع هذا السجال، وهل هو انتقاد لموقف إسلام آباد، أم أن الأخيرة وفرت فرصة نادرة للدبلوماسية الإماراتية لانتقاد مواقف أخرى وتسويق أخرى؟ ولماذا صمتت الإمارات تماما على تصريحات الحكومة الباكستانية، وهل سيلجأ الأطراف إلى احتواء الأزمة أم تفجيرها؟ ومن من الأطراف مستعد لتكلفة التفجير؟
خلفيات السجال
ناقش البرلمان الباكستاني على مدار 5 أيام دعو سعودية لمشاركة باكستان في عملية "عاصفة الحزم" التي انطلقت ضد التغول الحوثي في اليمن. ولكن البرلمان رفض المشاركة بعاصفة الحزم، مبررا أن السعودية لا تواجه خطرا في هذه الفترة، ومؤكدا على استعداده للدفاع عن سلامة السعودية بكل قوة فيما لو تعرضت لاعتداء، حسب تأكيد البرلمان ذاته ورئيس الوزراء نواز شريف.
موقف البرلمان أثار حفيظة دولة الإمارات فأطلقت خلال ساعات قليلة العديد من التصريحات والمقالات وافتتاحيات صحفها الرسمية لانتقاد هذا القرار البرلماني لا التنفيذي.
رد الفعل الإماراتي
رغم أن المغرب ومصر وتركيا لها مواقف شبيهة من البرلمان الباكستاني، إلا أن رد الفعل الإماراتي ركز على باكستان بصورة أساسية ثم تركيا بدرجة ثانية. وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش، قال، "قرار البرلمان الباكستاني بالحياد في الصراع اليمني، و دعمه الصريح للسعودية، متناقض وخطير وغير متوقع من إسلام أباد". وأضاف: "باكستان مطالبة بموقف واضح لصالح علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربي، المواقف المتناقضة والملتبسة في هذا الأمر المصيري تكلفتها عالية".
وتابع: "الخليج العربي في مواجهة خطيرة ومصيرية، وأمنه الاستراتيجي على المحك، ولحظة الحقيقة هذه تميز الحليف الحقيقي من حليف الإعلام والتصريحات".
وألمح قرقاش إلى سبب انتقاده الموقف الباكستاني، إذ يرى مراقبون أن قرقاش لم ينتقد باكستان لذاتها وإنما قصد انتقاد رهان السعودية على باكستان وتركيا بدلا من السيسي وربما "إظهار الشماتة السياسية"، خاصة أن الرياض أطلعت أنقرة وإسلام آباد على عاصفة الحزم قبل انطلاقها، في حين فوجئ بها الآخرون كما يؤكد إعلاميون مقربون من السيسي، و كان آخر من أكد ذلك محمد حسنين هيكل.
تلميح قرقاش وتصريح خلفان
لمح قرقاش إلى جدوى الرهان على نظام السيسي، قائلا،"الموقف الملتبس والمتناقض لباكستان وتركيا خير دليل على أن الأمن العربي من ليبيا إلى اليمن عنوانه عربي، واختبار دول الجوار خير شاهد على ذلك". وكان قرقاش قد صرح عشية زيارة أردوغان الأخيرة إلى السعودية وتوقع توطيد العلاقات مع أنقرة إلى أن التحالفات الحقيقية تكون مع مصر والدول العربية. لذلك، يرى مراقبون أن انتقاد موقف الإمارات لباكستان يأتي على سبيل "الامتنان" لا على سبيل الانتقاد والإساءة، كون موقفها منح قرقاش دليل تصريحاته السابقة.
أما ضاحي خلفان، فقد كان أكثر صراحة في الإشارة إلى الرهان على نظام السيسي. وقال في تغريدات له،"باكستان غيرت موقفها… ألم أقل لكم من قبل تحيا مصر.. وداعًا باكستان"، بعد أن اتهم أردوغان بأنه تاجر حروب، مشيدا في ذات الوقت بما وصفه رفض باكستان لطلب إيراني لإقامة تحالف ضد السعودية. وأضاف،" ليتكم تعلمون الخليج العربي ومصر قوات تكسر أكبر خشم… أردوغان يوقع اتفاقيات مع إيران… والسيسي معنا في الميدان"، على حد تعبيره.
وكذلك تحدثت افتتاحية البيان على مدار يومين كاملين، تنتقد القرار البرلماني لباكستان وتسوق أن السيسي هو الحليف الموثوق.
بين رد الفعل الإماراتي والخليجي
من بين ردود الفعل الخليجية على الموقف الباكستاني، كان الموقف الإماراتي هو "المتشدد" والحاد" في حين حاول إعلاميون سعوديون وقطريون من وضع القرار في سياقه الطبيعي. فالسعودي جمال خاشقجي اعتبر أن القرار يجب أن يدفع لتكثيف التواصل مع أعضاء البرلمان لشرح الموقف لهم عن قرب، كما فعل جواد ظريف وزير خارجية إيران الذي زار البرلمان وحضر جزءا من مناقشاته. فلماذا لم يرسل الخليجيون وفدا وزاريا مقابلا لبرلمان باكستان؟
دكتور العلوم السياسية القطري محمد المسفر قال في مقال له (14|4) بعنوان "الأردن غير المغرب ومصر وباكستان"، فوجئ الخليجيون بالقرار الباكستاني وهو قرار ديمقراطي لا نعترض عليه، مطالبا دول الخليج بإعادة النظر في بعض الصداقات والتحالفات. كما لم تثر الصحافة السعودية أية ردود فعل حول هذا القرار، بل حاولت التقليل من شأنه، كما أكد أيضا الناطق باسم عاصفة الحزم العميد أحميد عسيري، من أن هذا القرار قرار البرلمان لا الحكومة، وأن وجود الباكستانيين في العاصفة يشكل إضافة كما ان غيابهم لا يشكل إعاقة.
رد باكستان العنيف
بعد صمت استمر يومين استنكرت إسلام آباد على لسان وزير الداخلية "شودري نصار علي خان " تصريحات قرقاش، متهما الدولة "بإصدار تهديدات" لبلاده وهو ما اعتبره مرفوضا جملة وتفصيلا. وقال: "إنه ليس من السخرية فقط، بل أمر مثير للتفكير العميق أن يطلق وزير إماراتي تهديدات ضد باكستان"، وتابع قائلاً: "إن التصريح الذي أصدره الوزير الإماراتي يعتبر انتهاكا صارخا لكل الأعراف الدبلوماسية السائدة والمستندة إلى مبادئ العلاقات الدولية". وأضاف: "التصريح الذي صدر عن الوزير الإماراتي يعتبر إهانة لذات باكستان وشعبها وهذا أمر لا يمكن قبوله أبدا".
تداعيات السجال
حتى الآن لم يتطور السجال بين وزيري الإمارات وباكستان إلى أزمة دبلوماسية، خاصة بعد مرور أكثر من 24 ساعة على تصريحات الوزير الباكستاني، وهو ما يدلل أن السجال سيأخذ طريقه للاحتواء لا التصعيد كون تكلفة أي توتر دبلوماسي في العلاقات بين الإمارات وباكستان هو ذو تكلفة على الجانبين اقتصاديا وأمنيا واستراتيجيا، نظرا لعمق العلاقات الإماراتية مع إسلام آباد وحجم الاستثمارات بينهما وحجم وجود العمالة الباكستانية والتي تعتبر ثاني أكبر جالية في الإمارات بعد الهند، و تقدر بمليون ونصف المليون باكستاني وفق مصادر غير رسمية. إضافة إلى تواجد قوات إماراتية في أفغانستان، وحجم المساعدات الإماراتية للحكومة والشعب الباكستاني، إضافة إلى ضرورة عدم خسارتها لصالح إيران. فالتباين في تقدير وجهات النظر والمصالح ليس أمرا جديدا في العلاقات الدولية، ولكنه ليس من الحكمة أن يؤدي إلى نزاع أو صراع أو تصعيد.
فالسجال مع باكستان ليس مقصودا لذاته وإنما كان هو الوسيلة التي تم بها "رمي العصفور بحجر الآخرين"، خاصة أن باكستان لم تعد "بمسافة السكة" ولم تقل يوما أن أمن الخليج خطا أحمر، بل إن موقفها بتأكيد الدفاع عن السعودية أكثر وضوحا من حلفاء مُتَوَهَمِينَ آخرين.