نشبت خلال شهر أزمة بين قطر ونظام السيسي، على خلفية اتهام الأخير للدوحة بدعم الإرهاب، إلى جانب أزمة أخرى بين السعودية والسويد على خلفية انتقادات حقوقية وجهتها الأخيرة للرياض حول أوضاع حقوق الإنسان لديها وما ترتب عليه من تعليق التعاون العسكري بين الدولتين، أعقبه منع الرياض لوزيرة الخارجية السويدية إلقاء كلمة في الجامعة العربية. إزاء هاتين الأزمتين اللتين شهدهما مجلس التعاون الخليجي كانت المفارقة واضحة في تعامل دول المجلس معهما، وخاصة من جهة دولة الإمارات. فكيف تعاملت دبلوماسيتنا مع الأزمتين، وهل ساهمت في احتوائهما أم تعميقهما، وهل دبلوماسية "المجاملة" التي تتبعها دولتنا تعمل بمسطرة واحدة، أم أن المفارقات الواضحة لا يختلف عليها اثنان؟ و هل يمكن أن تعبر دبلوماسيتنا عن "ذكاء"؟
أزمة الدوحة – نظام السيسي
وجه مندوب مصر في الجامعة العربية في فبراير الماضي هجوما حادا لدولة قطر كونها تحفظت على قيام الجيش المصري بشن غارات على دولة ليبيا بصورة منفردة، واتهم المندوب المصري قطر بأنها "تدعم الإرهاب". في أعقاب هذا الاتهام، نشر أمين عام "مجلس التعاون" عبد اللطيف الزياني بيانا رسميا نفي فيه الاتهامات فقط، ولم يتعرض لمصر ولا لنظام السيسي من قريب أو بعيد.
فور هذا البيان، تدخلت دول خليجية لسحب البيان الأول، ونشر بيان ثان تضمن دعما لنظام السيسي، وتم تسويق البيان الثاني وكأنه نسخ للبيان الأول، علما أن كل بيان كان يؤكد على مسألة معينة لا تعارض بينهما، غير أن "زاوية التعارض" التي سعت دول خليجية لإظهارها كانت هي المغزى والهدف من البيان الثاني.
وغزت صحف الإمارات والسعودية، مقالات عديدة تندد بالبيان الأول وتؤكد دقة البيان الثاني، وتطرق لإعلام دول الخليج والدول العربية الحديث مجددا عن أزمة خليجية – خليجية بسبب تباين الموقف الخليجي من اتهامات مصر لقطر.
وأثناء ذلك تزايدت الأنباء التي أشارت إلى تدخل شخصيات إماراتية نافذة في الأزمة بين القاهرة والدوحة، عندما هددت الزياني بإقالته في حال لم يسحب البيان الأول، وليس فقط مطالبته بنشر البيان الثاني، علما أنه كان يمكن نشر البيانين معا. غير أن دبلوماسية "المجاملة" التي تتبعها الإمارات مع نظام السيسي جاءت على حساب وحدة الموقف الخليجي بل وكادت أن تكون صاعق تفجير لأزمة أشد من "أزمة السفراء". وقد أظهرت هذه المجاملة الدبلوماسية، انقسام المواقف الخليجية مجددا وسادت مشاعر التخوف والتوجس الشعوب الخليجية مرة أخرى.
أزمة الرياض – استوكهولم
تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين الرياض واستوكهولم وصل ذروته باستدعاء السعودية سفيرها، ووقف التأشيرات التجارية للسويديين. ورغم أن الأزمات الدبوماسية التي تنشب بين الدول عادة، تستدعي التوسط والاحتواء وعرض الحوار، كما تستدعي تشكيل المحاور وتصعيد الأزمة أيضا، فإن دول خليجية عبرت عن تضامنها مع السعودية ورفضها للتصريحات السويدية.
دبلوماسية "المجاملة" الإماراتية في الأزمة بين السعودية والسويد جاءت تصعيدية برأي مراقبين، ولم تعرض وساطتها لاحتوائها، مثلا، في وقت ما فتئت قيادتنا السياسية تتحدث دائما عن العلاقات الدولية الطيبة وتفكيك الخلافات والأزمات. ولكن في هذه الأزمة، كانت "الفزعة" الإماراتية فوق المطلوب بحسب المحللين السياسيين.
الموقف الإماراتي في بداية الأزمة كان متذبذا، فقد غرد عبد الخالق عبد الله -الذي تصفه وسائل إعلام عربية بأنه مستشار لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد- معبرا عن استيائه لمنع وزيرة الخارجية السويدية من إلقاء كلمة لها في الجامعة العربية قائلا، " قرار انفعالي وغير موفق، السويد تستحق منا الشكر والتقدير"، على حد قوله.
مغزى الموقف الإماراتي
خطت الدولة خطوة متقدمة في هذه الأزمة، فقامت باستدعاء سفيرها من السويد، واستدعت سفير السويد في أبوظبي وسلمته احتجاجا رسميا على التصريحات السويدية "ضد السعودية".
ما نريد قوله، إن الموقف الخليجي بما فيه الموقف الإمارات كان واحدا وموحدا وجامعا في هذه الأزمة التي لا تقل "خطورة وأهمية دبلوماسية" عن اتهام مصر لدولة قطر بأنها تدعم الإرهاب، وهو ما لم تقله السويد، فضلا أن السويد تدعم المواقف العربية وجابهت كثيرا السياسة الإسرائيلية العدوانية ضد العرب، على خلاف نظام السيسي الذي يصنف المقاومة الفلسطينية على أنها منظمة إرهابية.
الرسالة الإماراتية من موقفها الحازم المؤيد للسعودية، كشف عنها وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش، عندما قال في تغريدة له (19|3)، "التحرك الخليجي في مواجهة التصريحات المسيئة من جانب وزيرة خارجية السويد، دليل ملموس على فاعلية التحرك الجماعي، نحن أقوى حين تكون كلمتنا واحدة".
تفسيرات وتساؤلات حول موقف الدولة
يرى مراقبون أن موقف الإمارات القوي المساند للسعودية، أنه يعبر عن "دبلوماسية ذكية" من جانب أبوظبي اتجاه الرياض، في أعقاب التباينات المتزايدة بين البلدين في أعقاب سياسات الملك سلمان وانفتاحه على تركيا، إذ أرادت الدولة أن تسجل هدفا في مرمى الدبوماسية السعودية يصعب عليها اتخاذ المزيد من خطوات الابتعاد عن أبوظبي.
وفي مقابل هذه القراءة، عبر محللون عن خشيتهم أن الدبوماسية الإماراتية أخطأت هذه المرة أيضا كما أخطأت فيما اعتبروه "خذلان" الدولة لقطر في مواجهة الاتهامات المصرية والتي لم يكن مطلوب منها أكثر من نفي الاتهامات عن الدوحة فقط. واستدل المراقبون، بذلك على المفارقة الواضحة في تغريدة الوزير قرقاش، الذي اعتبر أن الرد على تصريحات وزيرة الخارجية السويدية "دليل ملموس على فاعلية التحرك الجماعي وأن القوة بالوحدة"، فيما غاب هذا المعنى والفهم تماما عن أزمة قطر- السيسي.
ونتيجة مفارقة الدلوماسية الإماراتية في التعامل مع الأزمتين، طرأت العديد من التساؤلات لدى الشارع الإماراتي والخليجي. ووصل حد هذه التساؤلات التشكيك بالمغزى الحقيقي من وقفة الإمارات الصارمة ضد السويد، إن كانت تهدف لتعميق أول أزمة دبلوماسية كبيرة يواجهها الملك سلمان، وذلك بادعاء تأييد الرياض ومساندتها، أو تعبر عن "ذكاء" الدبلوماسية الإماراتية؟
غير أن الاستنتاج المهم في تعامل الإمارات مع هاتين الأزمتين، هو أن نظام السيسي عامل شقاق وتفرقة وانقسام بين دول مجلس التعاون، وأن القوة والوحدة تغيب والتحرك الجماعي يكون عاجزا عندما يتعلق الأمر بنظام السيسي، وهو ما يتطلب إعادة النظر في التعامل مع هذا النظام على نفس القاعدة التي طرحها الوزير قرقاش، لجهة نبذ كل عوامل الفرقة والتشتت.