لا تزال قضية اختطاف الشقيقات الثلاث تشكل الهاجس الأول للرأي العام الإماراتي، ولا يزال الإماراتيون يواصلون فعاليات التضامن مع الشقيقات بكل الوسائل داخل الوطن وخارجه. من بين الوسائل السلمية والمدنية التي اختارها الإماراتيون، تنظيم وقفات احتجاجية في لندن واسطنبول لأن بلادهم لا تتسع لهذه الفعاليات المشروعة في التعبير عن الرأي. وقفتا لندن واسطنبول شكلت امتحانا أخيرا لمسؤولي الدولة ليقوموا بواجبهم في وضع قضية الاعتقال في إطار قانوني على الأقل، ولكنهم "سقطوا" حسب مراقبين في هذا الاختبار أيضا، عندما انتقدوا حملات التضامن مع الشقيقات ولم يجرؤ أحد منهم سواء إعلاميين أو رسميين من الاقتراب للحديث عن أسباب هذه الوقفات ولماذا، وسط تجاهل تام لهذا الاختطاف. مناقشة البرلمان البريطاني لهذه القضية، أنطقت مسؤولين بعد طول صمت كفرا، حسب المثال العربي "صمت دهرا ونطق كفرا".
فعاليات التضامن مستمرة
هب شعبنا ومعه شعوب الخليج للتنديد واستنكار اعتقال الشقيقات الثلاث بصفة خاصة ونهج الاعتقال السياسي بصفة عامة. وتنوعت هذه الهبة بين مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة وبين المقالات وتسليط وسائل إعلامية الضوء على قضية الاختطاف إلى تنظيم وقفتي احتجاج في لندن واسطنبول.
هذه الهبة التضامنية المستمرة ما استمر الاعتداء على حرية الشقيقات الثلاث وحرمانهن من حقوقهن القانونية والإنسانية والدستورية، ركزت في مضمونها على الاعتقال ذاته، وكشفت العوار القانوني و التنكر الإنساني للمعتقلات. والتزمت حملات التضامن أخلاق التعبير عن الرأي بصورة نقية فلم تسب أحدا أو تتطاول عليه أو تتهم أحدا أو تخونه، وكما التزم الشعب الإماراتي هذه الآداب الرفيعة في التعبير التزم أيضا المتضامنون الخليجيون والعرب بذلك. بل إن كل ما طالب به المتضامنون إطلاق سراح المعتقلات وإن كان هناك شيء ضدهن، فليأخذ مساره القانوني.
تضامن البرلمان البريطاني
وصلت فعاليات التضامن قمة جديدة في مناقشة هذه القضية في البرلمان البريطاني الذي كثيرا ما ناقش انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة ووجه الاستجوابات والأسئلة لحكومات بلادهم المتعاقبة حول علاقات حكوماتهم مع حكومات "تقمع" شعبها. في الواقع، ليست هذه المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان البريطاني أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات. فلهذا البرلمان تاريخ ممتد في هذا المجال. أحدث حلقاته، ما طرحته النائب البريطانية كاتي كلارك، في أبريل الماضي حول "التعذيب في الإمارات"، وتلقت جوابا من الحكومة البريطانية، يفيد: بأن العلاقات الوثيقة بين المملكة المتحدة وحكومة الإمارات تسمح بمناقشة أية مسائل حساسة بما فيها حقوق الإنسان، وعلى كل المستويات. وقبلها بوقت قصير طالب البرلمان البريطاني الحكومة البريطانية بالضغط على الإمارات للإفراج الفوري عن محاميي حقوق الانسان الدكتور محمد المنصوري والدكتور محمد الركن، لتكون هذه المطالبة المفاجأة الثانية في مسار المواقف البريطانية خلال أسبوع في ذلك الوقت.
والخميس (26|2) نوقش في البرلمان البريطاني اعتقال الشقيقات الثلاث وتوجهت بعض منظمات حقوق الإنسان لرفع قضايا للمحكمة الأوربية بشأن اختطافهن.
تجاهل وانتقاد
إزاء حملة التضامن الشعبية الإماراتية والخليجية نجد أن إعلامنا وبعض المسؤولين في الدولة فقدوا أبجديات السلوك المدروس في ردات الفعل وأطلقوا للارتجال والانفعال عقاله، مستنكرين حملات التضامن ذاتها، متجاهلين تماما سبب التضامن، وقضية الشقيقات الثلاث وكأن هذه الجريمة الوطنية تجري في عالم آخر.
أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية ووزير المجلس الوطني الاتحادي، ندد بصورة "غير دبلوماسية" على أحسن وصف، بمناقشة البرلمان البريطاني لهذه القضية، ولم ير فيها إلا "أكاذيب وتدليس الإخوان" محاولا التقليل من شأن هذه الفعالية التي سيكون لها ما بعدها. ورغم أن قرقاش كان يستطيع الحضور والرد على أي استفسار إلا أنه اكتفى بتغريدات عبر تويتر، قائلا "إن مشكلة الإخوان ورفاق دربهم الإعتقاد بأن المتابع مغفل، مشيرا إلى أن الدعاية الإخوانية لا تفقه أن الإنسان يميز بين غثهم وسمين الإنجاز و الاستقرار" على حد قوله. الوزير قرقاش لم يقترب ولو بتلميح واحد لاعتقال الشقيقات أو حتى محاولة الدفاع عنه، لأنه يدرك أن أية دعاية لن تصمد أمام الحقائق وأن الشعب الإماراتي يستطيع بالفعل التمييز بين الغث والسمين.
وحول وقفتي لندن واسطنبول استخف قرقاش بالمتضامنين، "متضامنو وقفتي لندن و إسطنبول يسعهم "مايكروبص" يتيم"، فإذا كانت الوقفتين قليلتا العدد، فلماذا كل هل الانزعاج؟
شمس الإمارات ودفن الرأس في الرمال
إعلاميون من شعبنا سنوا أقلامهم وألسنتهم للتنديد بحملات التضامن أيضا، ولم يجرؤ أحد منهم على ذكر القضية الجوهر. الكاتب علي العمودي في "الاتحاد" كتب مقالا في (25|2) بعنوان "شمس الإمارات" يقول عن وقفة لندن " أراد بعض الحاقدين والمتآمرين سحب الأضواء ولفت الأنظار إليهم، وهم يرسلون حفنة لم تتعد الخمسة عشر نفراً، معظمهم نساء، للتجمهر والتظاهر أمام سفارة الدولة في لندن. لم يكن خافياً أنهم من شراذم التنظيم المأفون". وتابع " واضح أنهم مستأجرون من أكشاك الارتزاق المنتشرة في العواصم الغربية" على حد زعمه.
الإمارات بالفعل شمس لن تغيب وتناول القضايا الوطنية الحساسة والخطيرة على هذا النحو هو "دفن للرأس في الرمال"، لن يعفي أحدا من مسؤولياته ولن يردع متضامنا من التضامن مع
"الشقيقات" مهما كان حجم المرتزقة الذين يديرون قضيتهن ويحرسون سجنهن القادمين من كولمبيا ونيبال والقاهرة وغزة.