أحدث الأخبار
  • 01:22 . "رويترز": لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن غزة... المزيد
  • 01:06 . فوز البروفيسور ماجد شرقي بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية... المزيد
  • 12:53 . اعتماد تعديل سن القبول برياض الأطفال والصف الأول بدءًا من العام الدراسي المقبل... المزيد
  • 12:52 . بين التنظيم القانوني والاعتراض المجتمعي.. جدل في الإمارات حول القمار... المزيد
  • 12:05 . ترامب يوسّع حظر السفر إلى أمريكا ليشمل ست دول إضافية بينها فلسطين وسوريا... المزيد
  • 11:59 . السعودية تدشّن تعويم أول سفن مشروع "طويق" القتالية في الولايات المتحدة... المزيد
  • 11:53 . محكمة كويتية تحيل ملف وزير الدفاع الأسبق للخبراء... المزيد
  • 12:45 . ميدل إيست آي: هل يمكن كبح "إسرائيل" والإمارات عن تأجيج الفوضى في المنطقة عام 2026؟... المزيد
  • 12:40 . أمطار غزيرة تغرق مستشفى الشفاء وآلافا من خيام النازحين في غزة... المزيد
  • 11:59 . طهران ترفض مطالب الإمارات بشأن الجزر المحتلة وتؤكد أنها تحت سيادتها... المزيد
  • 11:30 . ترامب: 59 دولة ترغب بالانضمام لقوة الاستقرار في غزة... المزيد
  • 11:29 . الإمارات تدين الهجوم على مقر للقوات الأممية بالسودان... المزيد
  • 01:04 . مرسوم أميري بإنشاء جامعة الفنون في الشارقة... المزيد
  • 12:14 . "الأبيض" يسقط أمام المغرب ويواجه السعودية على برونزية كأس العرب... المزيد
  • 09:21 . غرق مئات من خيام النازحين وسط تجدد الأمطار الغزيرة على غزة... المزيد
  • 07:15 . روسيا تهاجم سفينة مملوكة لشركة إماراتية في البحر الأسود بطائرة مسيرة... المزيد

عزلة الإنسان الحالية وفهم جديد للفردانية

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 11-04-2020

قيل وكتب الكثير عن التغيرات الحياتية والفكرية في مجتمعات العالم، التي قد تتحقق، وإن بدرجات متفاوتة، بعد أن يصل وباء فيروس كورونا إلى نهايته. وبُنيت تلك التوقعات على أساس ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من قناعات جديدة، بشأن بعض الأفكار، والسلوكيات، والقيم والنظم التي أنشأتها حضارة العصر، وقبل الإنسان أن يعيش ضمن معطياتها، أحيانا عن قناعة، وأحيانا مرغما.
من بين أبرز تلك المعطيات التي طرحت كشعار حياتي، وجُندت الوسائل لإقناع عموم الناس بقبوله وممارسته كنمط حياتي، كان شعار الفردانية المنغلقة على الذات، المحكومة بإملاءات حب النفس الأناني، غير المعنية بحاجات وظروف الآخرين، مالكة حريتها المطلقة في التعبير والتصرف، وبالطبع، بل وفي المقدمة، الممارسة للاستهلاك النهم المجنون، لكل ما تنتجه ماكنة الرأسمالية العولمية، من بضاعة مادية أو خدمية أو ترفيهية.
من أشهر من عبّر عن ذلك الشعار كانت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر، عندما أعلنت أنه لا توجد مجتمعات، وإنما يوجد فرد: فرد معني بنفسه، أو أصبح ذلك القول، عبر الخمسين سنة الماضية على الأخص، جزءا أساسيا من الثقافة العولمية النيوليبرالية الرأسمالية.
الآن، والبلايين من البشر تنصاع، خوفا وهلعا من زحف ودمار وباء كورونا، لتوجيهات وقرارات الكثير من الحكومات، بالبقاء في مساكنهم ومواجهة وحدتهم الذاتية، ومحدودية حريتهم الشخصية، ألن يقود ذلك إلى البدء بطرح الأسئلة، حول الإعلاء المجنون للفردانية، والإنزال الغريب لأهمية ومكانة الاجتماع البشري بمؤسساته ومجتمعاته؟

هناك أمل بأن يفتش الإنسان عن فهم آخر للفردانية، قائم على تناغم بين جوانب الحرية والعدالة والعقلانية والتواضع أمام جبروت الطبيعة

لا يمكن للعاقلين من أولئك المعزولين في بيوتهم، إلا أن يلاحظوا كيف أن حدثا كبيرا عالميا، حاملا لأخطار هائلة، غير عابئ بالفروقات الطبقية والاجتماعية والعرقية والحضارية، أظهر في واقعهم اليومي الذي يعيشونه الآن، أن المبالغات السابقة في مدى حرية الإنسان واستقلاليته الفردية، وعدم حاجته للغير، وصدقوها، كانت وهما يجب أن يفيقوا منه. ذلك أن فيروسا صغيرا استطاع أن يسلب الفرد منهم ما كان يعتقد أن لا أحد يستطيع سلبه، أي حرية الحركة والذهاب إلى حيث يشاء، من دون عائق، وجعله يدرك أن حريته تلك مرتبطة أحيانا بحرية الآخرين، وأن قراره الفردي محكوم بقرار الآخرين.
في وحدته، في عزلته في بيته، لا بد أن فردانيته عرفت معنى الشوق لجلسة عائلية تسليه، لأصدقاء يبعدون عنه الضجر، ويشاركونه في مصابه، بينما أدرك أن شبكات التواصل الاجتماعي، ليست قادرة على أن تحل محل ضمة الحنان، وابتسامة الإشفاق والتعاطف، ودفء النفس، وهو ينتشر مع الكلمات والضحك، وحده الاجتماع البشري، قادر على أن يأتي بها بردا وسلاما على حياته. عند ذاك، وإن بشكل غامض، سيشعر ذلك الإنسان بفشل المبدأ الصنم المقدس للفردانية، في إعانته والتخفيف من وحدته، وسيدرك أهمية أن يعود إلى الحياة شعار الوجود الجمعي، الذي يمثل المصلحة العامة، ويعلي فضيلة التعاضد والتعاون، بدلا من رذيلة التنافس التي نادت بها ثقافة الفردانية بهوس ومبالغة. عند ذاك ستنجلي الأهمية الاجتماعية الكبرى للتوازن، بين حرية الفرد وانصياعه لإرادة المجتمع وحاجات الصالح العام.
عبر عدة قرون ظلت فردانية الإنسان، تعريفا وهدفا وسلوكا، جزءا أساسيا في مسيرة تنقلات إنسان الحضارة الغربية المهيمنة على العالم، من إعلاء شأن الإيمان، إلى إعلاء شأن القوة الداروينية، إلى الاعتماد الكلي على العقل والعقلانية التقدمية العلمية، لينتهي به المطاف إلى عقلانية السوق والرذائل المصاحبة له. وفي كل مرحلة حاول الإنسان الرسو على فهم موزون موضوعي إنساني للفردانية، خصوصا بشأن ارتباطها بقيمتي الحرية والعدالة. الآن، وقد اثبت وباء كورونا للإنسان بأن فهمه للفردانية لايزال مليئا بالنواقص والعلل، هناك أمل بأن يفتش الإنسان عن فهم آخر للفردانية، فهم قائم على تشابك وتناغم بين جوانب الحرية والعدالة والتضامن الإنساني، والعقلانية الحكيمة، والتواضع أمام جبروت الطبيعة.