اختتمت القمة الحكومية الثالثة في دبي أعمالها مؤخرا، والتي استمرت لثلاثة أيام تحت شعار "استشراف حكومات المستقبل" وحضرها عشرات الوفود الرسمية الإقليمية والدولية والأممية. وسوف تبدأ قريبا أيضا في إمارة الشارقة أعمال "المندى الدولي للاتصال الحكومي"، والذي سيناقش موضوعات قريبة من قمة دبي. قبل أكثر من عشر سنوات كان للشيخ محمد بن راشد تنبؤا واستشرافا بشأن الحكومات العربية الفاسدة والمترهلة، وقد تحقق هذا الاستشراف عام 2011 بانطلاق موجة الربيع العربي. فهل لا تزال قناعات الشيخ محمد بن راشد وتحذيراته قائمة في ظل حضور وجوه حكومية في دول عربية ثبت فسادها؟
استشراف محمد بن راشد
في المنتدى الاستراتيجي العربي في ديسمبر 2004، قال الشيخ محمد بن راشد حاكم إمارة دبي: "أقول للحكومات تفرغي لأعمالك، وقومي بواجباتك في التشريع والتنظيم والرقابة، ووفري بيئة العمل للقطاع الخاص، واحميه من مخالب مراكز القوى وفارضي الإتاوات. وأقول لإخواني المسؤولين العرب، إن لم تغيروا ستغيرون، إن لم تبادروا إلى إصلاحات جذرية تعيد الاحترام للعمل العام، وترسي مبادىء الشفافية والعدالة والمساءلة ستنصرف عنكم شعوبكم، وسيكون حكم التاريخ عليكم قاسياً".
القمة الحكومية الثالثة
ناقشت القمة الحكومية الكثير من أوراق العمل، واستعرضت تجارب الدول والحكومات وخططها للمستقبل، وتحدث فيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وأطلق مسؤلون إماراتيون العديد من المبادرات في الابتكار، وألقى مسؤولون إماراتيون آخرون كلمات حظيت بالإشادة.
فماذا عن الحكومات العربية؟ وما هو استشرافها للمستقبل؟ وما هو مدى الفجوة بين سلوك هذه الحكومات وبين أدبيات القمة الحكومية في دبي والمنتدى في الشارقة وقراءات الشيخ محمد بن راشد المستقبلية.
الحكومة المصرية في القمة الحكومية
الحكومة المصرية نموذج حاضر بقوة في قمة دبي، وتحدث فيها رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب. ولسوء حظ هذه الحكومة، فقد جاءت مشاركتها في القمة في ذروة تسريبات خطيرة بثتها قناة "مكملين" المصرية، وأظهرت حجم الفساد وسوء الإدارة ليس للمال المصري وثورات الدولة المصرية فقط، وإنما كشفت عن عقلية ساذجة في إدارة المساعدات الخليجية والتي وصلت نحو 40 مليار دولار لنظام عبد الفتاح السيسي خلال عام ونصف فقط.
وأظهرت التسجيلات التي أثارت غضب الشعوب الخليجية وهي ترى ثرواتها تتبدد هنا وهناك ولا يزال شعوب خليجية بحاجة لهذه الأموال، لأن الثراء في الخليج، هو "ثراء حكومات لا ثراء شعوب".
و في خطاب محلب أمام القمة، فقد ادعى نمو الاقتصاد المصري بنحو 4% العام الماضي، وهو ادعاء يتناقض مع كل المؤشرات والحقائق الواردة من وزارة المالية المصرية وأداء سوق الأسهم المصرية، فضلا عن تراجع للجنيه أمام العملات الأخرى، والتقارير الدولية والتي تضع مصر في مستوى متردٍ في الشفافية ومكافحة الفساد والترهل الإداري والبيروقراطية.
أما عن الأمن في مصر، فلا تزال سيناء ساحة حرب كبيرة ودامية بين الجيش والجماعات الجهادية، والوضع السياسي في مصر أبعد عن الاستقرار، والمحاكمات السياسية والانتهاكات الحقوقية وغياب المحاسبة والرقابة كلها مؤشرات قادمة من مصر.
ويضيف محلب، مسوقا نموذج الحكومة المصرية، قبيل المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في مصر في مارس المقبل ويعول عليه النظام لجذب الاستثمارات، بأن الجيش المصري قادر على مكافحة الإرهاب في جميع البلاد العربية.
الحكومة المصرية بين القمة والاستشراف
الحالة المصرية المتردية في جميع المجالات واضحة ولا يمكن لأحد أن يختلف على ذلك. والإمارات نفسها تدرك هذه الحقائق، لذلك وضعت لجنة خاصة يرأسها الوزير سلطان الجابر للإشراف على تصريف الأموال الإماراتية، ولكن يبدو أنه تم الالتفاف على كل هذه التحسبات وفق ما أكدته التسريبات.
وبمقايسة أداء الحكومة المصرية وسلوكها الداخلي والخارجي وحجم الإخفاق والتعثر في الإدارة والسياسة والاقتصاد وتدهور الوضع الأمني وحقوق الإنسان، ورفض الضرائب والأتوات التي حظر منها الشيخ محمد بن راشد، عندما يقول السيسي أكثر من مرة أنه "لن يكون هناك شيء في مصر ببلاش". وفي ظل تجاهل الحكومة المصرية لتحذيرات الشيخ محمد بن راشد من التلكؤ في الإصلاح، فإن مقولته: "ستنصرف عنكم شعوبكم، وسيكون حكم التاريخ عليكم قاسياً"، أعظم من استنتاج منطقي سليم، وأكثر قربا من حكم التاريخ وحكم الشعوب نفسها، حتى ولو حدثت فجوة بين مقولته وبين مشاركة نظام السيسي في القمة.
